شرح الورقات في أصول الفقه - الددو
شرح الورقات في أصول الفقه - الددو
Türler
باب النسخ وتعريفه
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد: فقد قال المصنف: [النسخ] عقد هذا الباب لبيان النسخ وذكر أقسامه، والنسخ معناه في اللغة: الإزالة، فيقال: نسخت الرياح الأثر، إذا أزالته وغيرته، ويقال: نسخت الشمس الظل؛ إذا أزالته.
ويطلق أيضًا على النقل، فيقال: نسخ الكتاب إذا نقله، فهذا معناه في اللغة.
وأما معناه في الاصطلاح: فهو تغيير الحكم الشرعي بخطاب متراخ عنه.
والمقصود بالحكم الشرعي: ما كان خطابًا أيضًا، فلا تنسخ البراءة الأصلية ولا ينسخ بها؛ لأن الأحكام كلها إنما نزلت على براءة أصلية سابقة لها، فلو اعتبر ذلك نسخًا لكانت الأحكام كلها ناسخة لأمر قد سبق، وهو البراءة الأصلية وعدم التكليف، ولا ينسخ أيضًا إلا بالخطاب، فلا نسخ بالقياس، ولا بالاجتهاد، ولا بالإجماع، وإنما يحصل النسخ بالوحي المنزل.
قال المصنف: [وأما النسخ فمعناه لغة: الإزالة] يقال: نسخت الشمس الظل؛ إذا أزالته، [وقيل: معناه النقل، من قولهم نسخت ما في هذا الكتاب أي: نقلته] وحكايته للخلاف في هذا لا وجه لها، بل هو في اللغة يطلق على هذين المعنيين وعلى التغيير، قال: [وحده -أي: تعريفه- هو الخطاب الدال على رفع الحكم الثابت بالخطاب المتقدم على وجه، لولاه لكان ثابتًا مع تراخيه عنه]، وهذا تعريف للناسخ لا للنسخ، فالخطاب الدال على رفع الحكم الثابت بالخطاب المتقدم هو الناسخ، فلو قال: هو رفع الحكم الثابت بخطاب متقدم على وجه لولاه لكان ثابتًا مع تراخي الرفع أو تراخي الخطاب عنه، لكان ذلك تعريفًا للنسخ، والمقصود برفع الحكم: إزالته وتغييره، والحكم هنا المقصود به: الحكم الشرعي فقط.
قوله: [الثابت بالخطاب]، أي: الذي أنزل به وحي.
[المتقدم] فالمتقدم لا ينسخ المتأخر.
[على وجه لولاه لكان ثابتًا]، أي: لولا ذلك الوجه لكان الحكم ثابتًا.
[مع تراخيه عنه] أي: تأخره عنه، فلو جاء متصلًا به لاعتبر ذلك تخصيصًا ولم يعتبر نسخًا، وهذا التراخي ليس له مدة محددة، بل قد يحصل بالقرب، كما حصل في قصة الصدقة بين يدي النجوى، فإن الله تعالى يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾ [المجادلة:١٢-١٣]، فنسخ ذلك الحكم على القرب، وذلك بفضل الله ورحمته، وقد نسخ قبل التمكن من الفعل، فدل ذلك على جواز النسخ قبل التمكن من الفعل.
4 / 2