Sharh Al-Tadmuriyyah - Al-Khamees
شرح التدمرية - الخميس
Yayıncı
دار أطلس الخضراء
Baskı Numarası
١٤٢٥هـ/٢٠٠٤م
Türler
شرح الرسالة التدمرية
محمد بن عبد الرحمن الخميس
المقدمة
إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًاوَنِسَاءًوَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: ١] .
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: ٧٠ـ٧١] .
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: ١٠٢] .
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدَثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار١.
وبعد:
فإن العقيدة أهم ما يوليه المسلم الحريص على دينه اهتمامه، فالنبي ﷺ،
_________
١ هذه خطبة الحاجة التي كان النبي ﷺ يستفتح بها خطبه كلها، رواها الإمام أحمد في المسند (١/٢٩٢ـ٢٩٣)، وأبو داود (٢١١٨)، والترمذي (١١.٥)، وابن ماجه (١٨٩٢) .
1 / 5
لم يزل يعلم أصحابه ذلك، وكذلك علماء المسلمين جميعًا دعوا إلى ذلك وكان من أولئك العلماء: شيخ الإسلام ابن تيمية في كثير من كتبه ورسائله، ومن بين تلكم الرسائل (الرسالة التدمرية) .
ولا تخفى أهمية هذه الرسالة لما فيها من تحرير للقواعد، وتأصيل في الرد على أهل البدع، وذلك في أصلين عظيمين:
الأول: في الاعتقاد.
والثاني: في العمل.
فالاعتقاد: انحرف فيه جماعة من أهل الكلام فعارضوا الكتاب والسنة بأفكار فلسفية، وآراء كلامية.
والعمل: انحرف فيه مجموعة من العُبَّاد والزُّهاد الذين عملوا بغير هدى من الكتاب والسنة.
فبيَّن ﵀ الواجب في الأصل وهو إثبات ما أثبته الله لنفسه ونفي ما نفاه عن نفسه، والواجب في الثاني الاجتهاد في فعل المأمور وترك المحظور مع الاستغفار بعد ذلك قال تعالى: ﴿وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ﴾ [آل عمران: ١٧]، ثم بيَّن حال الناس في الاستعانة والعبادة وأنهم على أربعة أحوال:
الأولى: المؤمنون الذين جمعوا بينهما.
الثانية: من عبدوا الله من غير استعانة.
الثالثة: من عندهم استعانة من غير استقامة.
الرابعة: من لا يعبد الله ولا يستعين به وهم من شر هذه الأنواع.
وأما المخالفون في الاعتقاد فقد رد عليهم شيخ الإسلام وحصر مناظرتهم في أصلين:
الأول: القول في بعض الصفات كالقول في بعض.
الثاني: القول في الصفات كالقول في الذات.
1 / 6
ثم ضرب مثالين ليبيِّن مباينة الخالق للمخلوق (الأول في الجنة ونعيمها والثاني في الروح)، وبين أن نعيم الجنة يباين موجودات الدنيا مع الاتفاق في الأسماء، فمباينة الخالق أوْلى، وكذلك الروح موصوفة بأنها تذهب وتجيء، ومع ذلك هي مباينة لغيرها من المخلوقات فمباينة الخالق أولى.
ثم ذكر سبع قواعد لمناظرة أهل التعطيل والتفويض:
القاعدة الأولى: أن الله تعالى موصوف بالإثبات خلافًا للمعطلة، وموصوف بالنفي خلافًا للمشبِّهة.
القاعدة الثانية: أن ما يُضاف إلى الله منه ما هو ثابت في الكتاب والسنة فيثبت لله، ومنه ما لم يرد فيهما فلفظه غير مقبول، وأما المعنى فيستفصل عنه ويتوقف في لفظه، فإن كان حقًا قبل وإلا رد اللفظ والمعنى.
القاعدة الثالثة: في بيان معنى ظاهر النصوص، وهل هو مراد أم لا؟.
القاعدة الرابعة: ومحورها يدور على ما يترتب من التوهم في صفات الله عند المعطلة فمن يتوهم التشبيه ثم ينفي الصفات يقع في محاذير أربعة:
أـ تعطيل النصوص، ب - وتعطيل الله عن صفاته، ج - ثم تشبيه الله بخلقه، د - ووصفه بما لا يليق به سبحانه.
القاعدة الخامسة: في بيان أن ما وصف الله به نفسه معلوم المعنى دون الكيف.
القاعدة السادسة: في بيان الضابط السديد في باب الأسماء والصفات وهو إثبات ما أثبته الله لنفسه ونفي ما نفاه عن نفسه، وما لا دليل على نفيه وإثباته يتوقف فيه وكل كمال لا نقص فيه فالله أولى به، وكل نقص فالله منزه عنه.
القاعدة السابعة: تدور على أن ما جاءت به الأدلة في هذا الباب تعرف عن طريق العقل كذلك، إذ العقل الصريح لا يعارض النقل الصحيح، وبهذه القاعدة ختم شيخ الإسلام هذه القواعد المباركة.
ونظرًا لأهمية الرسالة التدمرية، وما فيه من أصول وردود على أهل
1 / 7
البدع، ولإلحاح بعض طلاب العلم عليَّ أن أشرح هذه الرسالة المباركة شرحًا ميسَّرًا على طريقة المعاصرين، يقرِّب غايات الكتاب ويوضح مقاصده، ويكشف للقارئ عما يدل عليه من مضمون.
فاستجبت لرغبتهم وكتبت هذا الشرح الميسَّر وسميته:
تيسير فهم الرسالة التدمرية، شرح ميسَّر على طريقة المعاصرين
أما المنهج الذي سأتبعه في هذا الشرح فهو كالآتي:
١ - قسَّمت الكتاب إلى فقرات رئيسة ووضعت لكل منها عنوانًا، وذلك على حسب موضوعها، تسهيلًا للقارئ.
٢ - بيَّنت معاني ما يحتاج إلى التوضيح من كلمات النص بعده مباشرة، بحيث تصبح تلك المعاني بمثابة الشرح المختصر للنصوص.
٣ - ذكرتُ عناصر الموضوع بشكل يجعل القارئ يحقق أكبر قدر من الاستفادة وفهم النص.
٤ - عزوتُ الآيات القرآنية إلى مواضعها من كتاب الله ولك بذكر السورة ورقم الآية.
٥ - قمتُ بتخريج الأحاديث الواردة في الكتاب ما أمكن ذلك.
٦ - ترجمتُ لشيخ الإسلام ترجمة موجزة وجعلتها في مقدمة الكتاب.
هذا، وقد استفدت ممن سبقني ممن شرح الرسالة التدمرية وخاصة كتاب (تقريب التدمرية) للعلامة محمد بن صالح بن عثيمين ﵀ و(التوضيحات الأثرية على متن الرسالة التدمرية) ١وهو لتلميذي فخر الدين بن الزبير المحسي.
هذا، والله أسأل أن يجعل عملي هذا خالصًا لوجهه الكريم، وأن يغفر لي الخطأ والزلل، والله من وراء القصد وهو حسبنا ونعم الوكيل، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
المؤلف
_________
١ وهو في الأصل من شروحي، وقد جمعه في كتاب، جزاه الله خيرًا.
1 / 8
القسم الأول
الفصل الأول: ترجمة المؤلف
المبحث الأول: حياته الشخصية
...
القسم الأول
التعريف بالمؤلِّف والمؤلَّف
الفصل الأول: ترجمة المؤلِّف
المبحث الأول - حياته الشخصية:
أولًا - اسمه ونسبه.
ثانيًا - مولده وموطنه.
ثالثًا - أسرته.
رابعًا - وفاته.
المبحث الثاني - حياته العلمية:
أولًا - نشأته العلمية.
ثانيًا - أشهر شيوخه.
ثالثًا - أشهر تلاميذه.
رابعًا - مكانته العلمية وثناء العلماء عليه.
خامسًا - مؤلفاته.
1 / 9
الفصل الأول: ترجمة المؤلف
المبحث الأول: حياته الشخصية
أولًا - اسمه ونسبه:
هو أبو العباس، أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن محمد بن الخضر بن علي بن عبد الله بن تيمية النميري١ الحرَّاني ثم الدمشقي٢
_________
١ انظر التبيان لابن ناصر الدين (ق٦٢ـ ب) .
٢ انظر في ترجمته الكتب التالية:
١ - العقود الدرية لابن عبد الهادي.
٢ - الأعلام العلية للبزاز.
٣ - البداية والنهاية (١٤/١٣٢) .
٤ - تذكرة الحفاظ (٤/١٤٩٦) .
٥ - ذيل طبقات الحنابلة (٢/٣٨٧) .
٦ - الوافي بالوفيات (٧/١٥) .
٧ - الدرر الكامنة (١/١٥٤) .
٨ - فوات الوفيات (٧/١٥) .
٩ - النجوم الزاهرة (٩/٢٧١) .
١. - البدر الطالع (١/٦٣) .
١١ - فهرس الفهارس (١/٢٧٧) .
١٢ - تاريخ ابن الوردي (٢/٤.٦) .
١٣ - القول الجلي في ترجمة شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية الحنبلي، تأليف: محمد صفي الدين البخاري.
١٤ - جلاء العينين للآلوسي.
١٥ - كتاب ابن تيمية، حياته، عصره، لمحمد زهرة.
١٦ - شذرات الذهب (٦/٨.) .
1 / 11
واختلف العلماء في علة تسمية الأسرة بـ "ابن تيمية" فذكر الصَّفدي: أنَّ تيمية لقب لجده الأعلى١وقال ابن النجار: "ذكر لنا أن جده محمدًا، كانت أمه تُسمى تيمية وكانت واعظة فنسب إليها وعرف بها"٢.
وقيل: إن جده محمد بن الخضر حجَّ على درب تيماء، فرأى هنالك طفلة، فلما رجع وجد امرأته قد ولدت بنتًا له، فقال يا تيمية، يا تيمية، فلُقّب بذلك٣.
ثانيًا - موطنه ومولده:
تُجمع المصادر التي بين أيدينا أن ابن تيمية ولد بحرّان، ثم انتقل مع والده إلى دمشق سنة (٦٦٧هـ) هربًا من التتار، ولم أر في ذلك خلافًا بين المؤرخين، ويقولون في ترجمته (الحراني ثم الدمشقي) .
أما عن تاريخ ولادته: فتُجمع المصادر التاريخية على أن ولادة أبي العباس ابن تيمية كانت سنة (٦٦١هـ) في شهر ربيع الأول في اليوم العاشر منه٤.
ثالثًا - أسرته:
ابن تيمية: سليل أسرة كريمة، اشتغلت بالعلم وعرفت به رجالًا ونساء.
فأبوه: هو العالم الجليل: عبد الحليم بن عبد السلام، قال عنه الذهبي: "كان إمامنا محققًا، كثير الفنون، له يد طولى في الفرائض والحساب"٥.
_________
١ الوافي بالوفيات (٧/١٦) .
٢ العقود الدرية (ص٤) .
٣ العقود الدرية (ص٤) .
٤ العقود الدرية (ص٤) .
٥ شذرات الذهب (٥/٣٧٦) .
1 / 12
وذكر ابن كثير١: أن له كرسيًا للدراسة والتعليم والوعظ، وأنه تولى مشيخة دار الحديث السكرية، وبها كان مسكنه، مات سنة (٦٨٢هـ)، ذلك أبوه.
أما جَدّه: فهو شيخ الإسلام، مجد الدين، أبو البركات، عبد السلام، قال عنه ابن شاكر الكتبي: كان إمامًا حجة بارعًا في الفقه والحديث، وله يد طولى في التفسير ومعرفة تامة في الأصول، والاطلاع على مذاهب الناس، ولم يكن في زمانه مثله وله المصنفات النافعة في الأحكام: المسمى بالمنتقى مات سنة (٦٥١هـ) وإذا تركنا أباه وجده نجد آخرين كثيرين مشهورين بالعلم من هذه الأسرة الكبيرة.
فمن الرجال٢:
١ - عبد الرحيم بن محمد بن الخضر بن تيمية، مات سنة (٦.٣هـ) ٣.
٢ - محمد بن الخضر بن محمد بن الخضر بن تيمية، الفقيه الواعظ، خطيب حرّان، مات سنة (٦٢٢هـ) ٤.
٣ - عبد الغني بن محمد بن الخضر بن تيمية، خطيب حرّان، وابن خطيبها، مات سنة (٦٣٩هـ) ٥.
٤ - عبد القاهر بن أبي محمد بن القاسم بن تيمية، المحدِّث، حدّث في دمشق وفي حرّان، وخطب بجامع حرّان، مات سنة (٦٧١هـ) ٦.
_________
١ البداية والنهاية (١٣/٣.٣) .
٢ الأسماء مرتبة على تاريخ الوفاة.
٣ شذرات الذهب (٥/١.) .
٤ شذرات الذهب (٥/١.٢) .
٥ شذرات الذهب (٥/٢.٤) .
٦ شذرات الذهب (٥/٣٧٦) .
1 / 13
٥ - عبد الأحد بن أبي القاسم بن عبد الغني بن تيمية، مات سنة (٧١٢هـ) ١.
٦ - أبو القاسم بن محمد بن خالد، الحرّاني الفقيه، أخو شيخ الإسلام لأمه مات سنة (٧١٧هـ) ٢.
٧ - عبد الله بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية، الفقيه الإمام، أخو شيخ الإسلام، مات سنة (٧٢٧هـ) ٣.
٨ - عبد الرحمن بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية، أخو شيخ الإسلام، مات سنة (٧٤٧هـ) ٤.
ومن النساء:
٩ - تيمية: جدة الشيخ، وكانت واعظة٥.
١. - زينب بنت عبد الله بن عبد الحليم بن عبد السلام، بنت أخي الشيخ، قال ابن حجر كما في (شذرات الذهب): "سمعت من الحجار وغيره، وحدّثت وأجازت لي". مات سنة (٧٩٩هـ) ٦.
رابعًا - وفاته:
أجمعت المصادر التاريخية على أن: وفاة تقي الدين ابن تيمية كانت سنة ثمان وعشرين وسبعمائة من الهجرة في العشرين من شهر ذي الحجة، حيث مات سجينًا محتسبًا صابرًا بقلعة في دمشق.
_________
١ شذرات الذهب (٦/٣) .
٢ ذيل طبقات الحنابلة (٢/٣٧.) .
٣ ذيل طبقات الحنابلة (٦/٧٦) .
٤ ذيل طبقات الحنابلة (١٥٢) .
٥ العقود الدرية (ص٤) .
٦ شذرات الذهب (٦/٣٥٨) .
1 / 14
المبحث الثاني: حياته العلمية
أولًا - نشأته العلمية:
ترعرع ابن تيمية في بيئة علمية صالحة، حيث نشأ تحت رعاية والده، وكان من العلماء الصالحين، وعني بتعليم ابنه وتهذيبه منذ نعومة أظافره، وساعد على ذلك: أن بدا عليه النجابة منذ حداثة سنه، وذلك لأمور: أولًا: الجد والاجتهاد والانصراف التام إلى طلب العلم وتحصيله، لا يلهو لهو الصبيان ولايعبث عبثهم. قال البزار: "ولم يزل إبان صغره مستغرق الأوقات في الجد والاجتهاد"١.
ثانيًا: رزقه الله الذاكرة الحادة، والعقل المتيقظ، والفكر المستقيم، والنبوغ المبكر، قال البزار: "خصّه الله بسرعة الحفظ، وإبطاء النسيان، ولم يكن يقف على شيء أو يستمع لشيء غالبًا إلا ويبقى على خاطره إما لفظه، أو معناه، وكان العلم كأنه اختلط بلحمه ودمه"٢.
كان أول ما يتلقاه طلاب العلم في ذلك الوقت حفظ القرآن الكريم، ثم بعد ذلك يوجهون عنايتهم إلى دراسة الحديث النبوي الشريف وسائر العلوم الشرعية الأخرى، فحفظ القرآن الكريم في صغره، ثم اشتغل بحفظ الحديث مع ملازمته لمجالس الذكر وسماع الحديث والآثار، فسمع عدة مرات على عدد من الشيوخ ذوي الروايات الصحيحة العالية: مسند أحمد،
_________
١ الأعلام العلية (ص١٧) .
٢ الأعلام العلية (ص١٨) .
1 / 15
وصحيح البخاري، ومسلم، وجامع الترمذي، وسنن أبي داود، والنسائي، وابن ماجه، والدارقطني، وأول كتاب حفظه في الحديث: الجمع بين الصحيحين للإمام الحميدي١.
قال ابن عبد الهادي: "وأقبل على الفقه وقرأ العربية على عبد القوي، ثم فهمهما وأخذ يتأمل كتب سيبويه حتى فهم النحو، وأقبل على التفسير إقبالًا كليًا حتى حاز فيه قصب السبق، وأحكم أصول الفقه وغير ذلك، هذا كله وهو يُعد ابن بضع عشرة سنة، فانبهر أهل دمشق من فرط ذكائه وسيلان ذهنه وقوة حافظته وسرعة إدراكه"٢.
وقال الذهبي: "نشأ - يعني الشيخ تقي الدين ﵀ في تصوّن تام وعفاف وتألّه وتعبُّد واقتصادٍ في الملبس والمأكل، وكان يحضر المدارس والمحافل في صغره، ويناظر ويفحم الكبار، ويأتي بما يتحيَّر منه أعيان البلد في العلم، فأفتى وله تسع عشرة سنة؛ بل أقل، وشرع في الجمع والتأليف من ذلك الوقت، وأكبّ على الاشتغال، ومات والده - وكان من كبار الحنابلة وأئمتهم - فدرّس بعده بوظائفه وله إحدى وعشرون سنة، واشتهر أمره، وبعُدَ صِيته في العالم"٣.
وكان من أسرة عريقة في العلم كما تقدم.
ثانيًا - أشهر شيوخه:
رأينا من قبل ابن تيمية اتصل بالعلماء منذ حداثة سنه٤. فتلقى عن كل شيخ من شيوخ دمشق وامتاز به، وبلغ شيوخه الذين سمع منهم أكثر من مائتي شيخ٥ ومن أشهرهم٦:
_________
١ الأعلام العلية (ص١٧ـ ١٨) .
٢ العقود الدرية (ص٤ - ٥) .
٣ المرجع السابق (ص٤ - ٥) .
٤ المرجع السابق (ص٥) .
٥ المرجع السابق (ص١٨) .
٦ الأسماء مرتبة على تاريخ الوفاة.
1 / 16
١ - زين العابدين أحمد بن عبد الدائم المقدسي، مسند الشام وفقيهها ومحدثها توفي في سنة (٦٦٨هـ) ١.
٢ - المجد بن عساكر، محمد بن إسماعيل بن عثمان بن مظفر بن هبة الله الدمشقي، توفي في سنة (٦٦٩هـ) ٢.
٣ - عبد الرحمن بن سليمان بن سعيد بن سليمان البغدادي، توفي سنة (٦٧.هـ) ٣.
٤ - محمد بن علي الصابوني بن محمود بن أحمد المحمودي، توفي سنة (٦٧.هـ) ٤.
٥ - تقي الدين إسماعيل بن إبراهيم بن أبي اليسر، مسند الشام، توفي في سنة (٦٧٢هـ) ٥.
٦ - كمال الدين بن عبد العزيز بن عبد المنعم بن الخضر بن شبل الدمشقي، توفي في سنة (٦٧٢هـ) ٦.
٧ - سيف الدين يحيى بن عبد الرحمن بن نجم الدين بن عبد الوهاب الحنبلي، توفي في سنة (٦٧٢هـ) ٧.
٨ - المؤمل بن محمد البالسي ثم الدمشقي توفي في سنة (٦٧٧هـ) ٨.
٩ - يحيى بن أبي منصور الصيرفي، توفي سنة (٦٨٧هـ) ٩.
_________
١ فوات الوفيات (١/٨١)، شذرات الذهب (٥/٣٢٥) .
٢ شذرات الذهب (٥/٣٣١)، العقود الدرية (ص٥) .
٣ شذرات الذهب (٥/٣٣٢) .
٤ شذرات الذهب (٥/٣٣٣) .
٥ شذرات الذهب (٥/٣٣٨)، فوات الوفيات (١/١٧.) .
٦ شذرات الذهب (٥/٣٣٨) .
٧ المرجع السابق (٥/٣٤.) .
٨ المرجع السابق (٥/٣٦.) .
٩ المرجع السابق (٥/٣٦٣) .
1 / 17
١٠ـ أحمد بن أبي الخير سلامة بن إبراهيم الدمشقي الحداد الحنبلي، توفي سنة (٦٧٨هـ) ١.
١١ - أبو بكر بن عمر بن يونس المزي الحنفي، توفي سنة (٦٨.هـ) ٢.
١٢ - عبد الرحيم بن عبد الملك بن يوسف بن قدامة المقدسي، توفي في سنة (٦٨.هـ) ٣.
١٣ - المسلم بن محمد المسلم بن خلف القيسي، توفي في سنة (٦٨.هـ) ٤.
١٤ - القاسم بن أبي بكر بن القاسم بن غنيمة الأربلي، توفي في سنة (٦٨.هـ) ٥.
١٥ - إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم الدرجي القرشي الحنفي، توفي سنة (٦٨١هـ) ٦.
١٦ - المقداد بن أبي القاسم، هبة الله القيسي توفي سنة (٦٨١هـ) ٧.
١٧ - عبد الحليم بن عبد السلام، ابن تيمية والد شيخ الإسلام، ودرس عليه الفقه والأصول، توفي سنة (٦٨٢هـ) ٨.
١٨ - محمد بن أبي بكر العامري الدمشقي، توفي سنة (٦٨٢هـ) ٩.
١٩ - إسماعيل بن أبي عبد الله بن العسقلاني، توفي سنة (٦٨٢هـ) ١٠.
_________
١ شذرات الذهب (٥/٣٦.) .
٢ المرجع السابق (٥/٣٧.) .
٣ المرجع السابق (٥/٣٦٦) .
٤ المرجع السابق (٥/٣٦٩) .
٥ المرجع السابق (٥/٣٦٧) .
٦ المرجع السابق (٥/٣٧٣) .
٧ المرجع السابق (٥/٣٧٤) .
٨ المرجع السابق (٥/٣٧٦) .
٩ المرجع السابق (٥/٣٨١) .
١٠ المرجع السابق (٥/٣٧٥) .
1 / 18
٢٠ - محمد بن عبد المنعم القواس، توفي سنة (٦٨٢هـ) ١.
٢١ - محمد بن عامر بن أبي بكر الصالحي، توفي سنة (٦٨٤هـ) ٢.
٢٢ - أحمد بن شيبان بن حيدرة الشيباني الصالحي العطار، ثم الخيّاط، توفي سنة (٦٨٥هـ) ٣.
٢٣ - الجمال أحمد بن أبي بكر الحموي، توفي سنة (٦٨٧هـ) ٤.
٢٤ - يوسف بن يعقوب المجاور، توفي سنة (٦٩.هـ) ٥.
٢٥ - الشيخة الجليلة: أم العرب فاطمة ينت أبي القاسم علي بن عساكر، توفيت في سنة (٦٨٣هـ) ٦.
٢٦ - الشيخة الصالحة: أم الخير بنت العرب بنت حي بن قايماز الدمشقية الكِندية، توفيت سنة (٦٨٤هـ) ٧.
٢٧ - الشيخة الصالحة: زينب بنت أحمد بن عمر بن كامل المقدسية، توفيت سنة (٧٢٢هـ) ٨.
٢٨ - الشيخة الصالحة: زينب بنت مكي بن علي بن كامل الحراني، توفيت سنة (٦٨٨هـ) ٩.
_________
١ شذرات الذهب (٥/٣٨.) .
٢ المرجع السابق (٥/٣٨٩) .
٣ المرجع السابق (٥/٣٩.) .
٤ المرجع السابق (٥/٤..) .
٥ المرجع السابق (٥/٤١٦) .
٦ المرجع السابق (٥/٣٨٣) .
٧ المرجع السابق (٥/٣٨٥) .
٨ المرجع السابق (٥/٤.٤) .
٩ المرجع السابق (٦/٥٦) .
1 / 19
هذا وقد صرّح شيخ الإسلام بالأخذ عن هؤلاء الشيوخ كما في الجزء (١٨/٧٦ - ١٢٢) من مجموع فتاوى شيخ الإسلام.
ثالثًا - من أشهر تلاميذه:
١ - أحمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن الواسطي، توفي سنة (٧١١هـ) ١.
٢ - علي بن المظفر بن إبراهيم الكندي الاسكندراني ثم الدمشقي، توفي سنة (٧١٦هـ) ٢.
٣ - محمد بن سعد بن عبد الأحد الحرّاني ثم الدمشقي، توفي سنة (٧٢٣هـ) ٣.
٤ - محمد بن النجا التنوخي الدمشقي، توفي سنة (٧٢٤هـ) ٤.
٥ - عبد الله بن موسى الجزري، توفي سنة (٧٢٥هـ) ٥.
٦ - أبو بكر بن شريف بن محصن بن معن بن عمار الصالحي، توفي سنة (٧٢٨هـ) ٦.
٧ - عبد الله بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن محمد المقدسي الصالحي، توفي سنة (٧٣٧هـ) ٧.
٨ - عبادة بن عبد الغني بن عبادة الحراني ثم الدمشقي، توفي سنة (٧٣٨هـ) ٨.
٩ - محمد بن أحمد بن عبد الهادي بن عبد الحميد بن عبد الهادي بن
_________
١ الرد الوافر (ص١٢٤) .
٢ المرجع السابق (ص١٨٧) .
٣ المرجع السابق (ص١٨٧) .
٤ ذيل طبقات الحنابلة (٢/٣٧٧) .
٥ الرد الوافر (ص١٧٢) .
٦ المرجع السابق (ص٢٢١) .
٧ المرجع السابق (ص١٦٩) .
٨ شذرات الذهب (٦/١١٧) .
1 / 20
قدامة المقدسي، توفي سنة (٧٤٤هـ) ١.
١٠ـ بهاء الدين بن علي بن عبد الولي بن خولان، البعلي، الفقيه الحنبلي، توفي في سنة (٧٤٤هـ) ٢.
١١ - أحمد بن محمد بن عبد الغني الحراني ثم الدمشقي الفقيه الحنبلي، توفي سنة (٧٤٥هـ) ٣.
١٢ - محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي الشافعي، إمام المعدلين والمجرحين وناقد المحدثين، توفي سنة (٧٤٨هـ) ٤.
١٣ - عمر بن سعد الله بن عبد الأحد الحراني ثم الدمشقي الفقيه الحنبلي، توفي سنة (٧٤٩هـ) ٥.
١٤ - محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي ثم الدمشقي، المعروف بابن القيم، وهو أبرز تلامذة شيخ الإسلام وأشهرهم وأكثرهم أخذًا عن الشيخ وتأثرًا به، توفي سنة (٧٥١هـ) ٦.
١٥ - محمد بن أبي بكر بن معالي بن إبراهيم بن زيد الأنصاري الخزرجي الدمشقي، المعروف ابن المهيني، توفي سنة (٧٥٥هـ) ٧.
١٦ - صلاح الدين خليل بن الأمير سيف الدين بن عبد الله العلائي مولاهم الدمشقي الشافعي، توفي سنة (٧٦١هـ) ٨.
_________
١ شذرات الذهب (٦/١٤١) .
٢ المرجع السابق (٦/١٤٢) .
٣ المرجع السابق (٦/١٤٢) .
٤ المرجع السابق (٦/١٤٢) .
٥ الرد الوافر (ص٦٥) .
٦ شذرات الذهب (٦/١٦٢) .
٧ شذرات الذهب (٦/١٦٨) .
٨ الرد الوافر (ص١٦٣) .
1 / 21
١٧ - محمد بن إبراهين محمد الأنصاري، الخزرجي البيساني الدمشقي المقدسي، توفي سنة (٧٦٢هـ) ١.
١٨ - أحمد بن موسى الزرعي الحنبلي، توفي سنة (٧٦٢هـ) ٢.
١٩ - محمد بن مفلح بن محمد المقدسي، ثم الصالحي الحنبلي، توفي سنة (٧٦٣هـ) ٣.
٢. - إبراهيم بن مؤيد الدين أبي المعالي بن العز التميمي بن القلانسي الدمشقي الشافعي، توفي سنة (٧٦٥هـ) ٤.
٢١ - أحمد بن الحسن بن عبد الله بن محمد بن أحمد بن قدامة المقدسي، توفي سنة (٧٧١هـ) ٥.
٢٢ - إسماعيل بن عمر بن كثير بن ضوء بن كثير، صاحب التفسير الشهير، توفي سنة (٧٧٤هـ) ٦.
٢٣ - محمد بن عبد الله بن أحمد بن المحب السعدي المقدسي ثم الصالحي الحنبلي، توفي سنة (٧٨٨هـ) ٧.
٢٤ - أحمد بن محمد بن عبد الله بن الحسن الحميري، المصري الأصلي ثم الدمشقي٨.
٢٥ - أحمد بن الحسن بن عبد الله بن الشيخ أبي عمر٩.
_________
١ الرد الوافر (ص٨.) .
٢ شذرات الذهب (٦/١٩٧) .
٣ شذرات الذهب (٦/١٩٩) .
٤ الرد الوافر (ص١٤٥) .
٥ الرد الوافر (ص١٣٢) .
٦ شذرات الذهب (٦/٢٣١) .
٧ الرد الوافر (ص٩١) .
٨ الرد الوافر (ص١٢٢) .
٩ ذيل طبقات الحنابلة (٢/٤٥٣) .
1 / 22
رابعًا - مكانته العلمية وثناء العلماء عليه:
كان ابن تيمية إمامًا مجتهدًا، تعددت مجالاته العلمية، فنبغ في العلوم لا سيما في علم العقيدة والحديث والتفسير، وأتقن العربية أصولًا وفروعًا. قال الحافظ أبو الفتح اليعمري: يصف نبوغ ابن تيمية وسعة علمه: "إن تكلم في التفسير فهو حامل رايته، وإن أفتى في الفقه فهو مدرك غايته، أو ذاكر بالحديث فهو صاحب علمه، وذو روايته، أو حاضر بالنِّحَل والمِلَل لم يُرَ أوسع من نحلته، ولا أرفع من درايته، برز في كل فن على أبناء جنسه"١.
وكان له مع ذلك اطلاع واسع وإدراك لعلوم كثيرة أخرى، كالحساب والجبر والمقابلة وأنواع الفلسفة. وقال عنه ابن العماد: "أحكم أصول الفقه والفرائض والحساب والمقابلة وغير ذلك من العلوم، ونظر في الكلام والفلسفة وبرز في ذلك على أهله، وردّ على رؤسائهم وأكابرهم"٢.
وسوف أقدم في هذا البحث حديثًا موجزًا عن هذه الجوانب العلمية مقتصرًا على العلوم الشرعية:
· أولًا - في العقيدة:
كان ابن تيمية واسع المعرفة العقدية وآراء أصحابها، وليس أدلّ على ذلك من كتبه: (درء تعارض العقل والنقل)، و(تلبيس الجهمية)، و(الاستقامة)، و(الصفدية)، و(منهاج السنة) .
ففيها عرضٌ كامل للعقيدة الإسلامية الصحيحة والرد على المذاهب الكلامية والمخالفة لمنهج السلف، فقد ناقش مذهب الجهمية والمعتزلة
_________
١ ذيل طبقات الحنابلة (٢/٣٩.) .
٢ شذرات الذهب (٦/١٨) .
1 / 23
والمرجئة والشيعة، وتدلّ ردوده على هذه المذاهب على سعة معرفته بأصولها.
قال البزّار: "أبانَ بحمد الله تعالى فيما ألَّف فيها لكل بصير الحق من الباطل، وأعانه بتوفيقه حتى رد عليهم بدعهم وآراءهم، وخدعهم وأهواءهم، مع الدلائل بالطريقة العقلية حتى يجيب عن كل شبهة من شبههم بعدة أجوبة جلية واضحة، يعقلها كل ذي عقل صحيح، ويشهد لصحتها كل عاقل صحيح"١.
ولم يكتف ﵀ بمعرفة مذاهب أهل البدع؛ بل قرأ كتب الفلاسفة وأهل المنطق وأحاط بها ورد عليها في كتبه، خاصة كتاب (نقض المنطق)، و(الرد على المنطقيين)، و(الصفدية) .
قال الذهبي: "عرَف أقوال المتكلمين ورد عليهم، ونبّه على خطئهم وحذّر منهم، ونصر السُّنة بأوضح حجج وأبهر براهين"٢.
كذلك: قرأ كتب النصارى ودرسها دراسة "فاحصة" وردّ عليهم في كتابه القيم (الجواب الصحيح لمن بدَّل دين المسيح)، فقد كان يعد نفسه للدفاع عن الإسلام في كل الميادين؛ لذلك أكثر من التصنيف والتأليف في العقيدة وأصول الدين.
قال البزار: "ولقد أكثر ﵁ التصنيف في الأصول فضلًا عن غيره من بقية العلوم، فسألته عن سبب ذلك والتمست منه تأليف نص في الفقه يجمع اختياراته وترجيحاته ليكون عمدة في الإفتاء، فقال لي ما معناه: الفروع أمرها قريب، ومن قلّد فيها المسلم أحد العلماء المقلدين، جاز له العمل بقوله ما لم يتيقن خطأه.
وأما الأصول: فإني رأيت أهل البدع والضلالات والأهواء كالمتفلسفة والباطنية، والملاحدة، والقائلين بوحدة الوجود، والدهرية، والقدرية،
_________
١ الأعلام العلية (ص٣٥) .
٢ ذيل طبقات الحنفية (٢/٣٨٩) .
1 / 24
والنصيرية، والجهمية، والحلولية، والمعطِّلة، والمجسِّمة، والمشبِّهة، والراوندية، والكلابية، والسليمية، وغيرهم من أهل البدع، فقد تجاذبوا فيها بأزِمَّة الضلال وبَان لي أن كثيرًا منهم إنما قصدوا إبطال الشريعة المقدسة المحمدية، الظاهرة العلية على كل دين، وأن جمهورهم أوقع الناس في التشكيك في أصول دينهم؛ ولهذا قلَّ أن سمعتُ أو رأيتُ معرضًا عن الكتاب والسنة مقبلًا على مقالاتهم إلا تزندق، أو صار على غير يقين في دينه واعتقاده.
فلما رأيت الأمر على ذلك بَانَ لي أنه يجب على كل من يقدر دفع شبههم وأباطيلهم، وقطع حجتهم وأضاليلهم أن يبذل جهده ليكشف رذائلهم وزيف دلائلهم ذبًا عن الملة الحنيفية والسنة الصحيحة الجلية.
ولا - والله - ما رأيتُ فيهم أحدًا ممن صنّف في هذا الشأن وادّعى علو المقام إلا وقد ساعد بمضمون كلامه على هدم قواعد دين الإسلام.
وسبب ذلك: إعراضه عن الحق الواضح المبين، وعن ما جاءت به الرسل الكرام عن رب العالمين، واتباعه طرق الفلسفة وفي الاصطلاحات التي سموها بزعمهم: حكميات وعقليات وإنما هي: جهالات وضلالات، وكونه التزمها معرضًا عن غيرها أصلًا ورأسًا، فغلبت عليه حتى غطت على عقله السليم، فتخبط حتى خبط فيها عشواء، ولم يفرق بين الحق والباطل وإلا فالله أعظم لطفًا بعباده ألا يجعل لهم عقلًا يقبل الحق ويثبته، ويبطل الباطل وينفيه، لكن عدم التوفيق وغلبة الهوى أوقع من أوقع في الضلال، وقد جعل الله العقل السليم من الشوائب ميزانًا يزن به العبد الواردات، فيفرق به بين ما هو من قبيل الحق، وما هو من قبيل الباطل.
ولم يبعث الله الرسل إلا إلى ذوي العقل، ولم يقع التكليف إلا مع وجوده، فكيف يقال: إنه مخالف لبعض ما جاءت به الرسل الكرام عن الله تعالى؟.
هذا باطل قطعًا يشهد له كل عقل سليم، لكن ﴿وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ﴾ [النور: ٤.] .
1 / 25