============================================================
المرصد الرابع - في إثبات العلوم الضرورية له أخرى دوي كدوى الذباب (والجواب ان الإمكان) اي إمكان نقائض ما جزمتا به من العاديات (لا ينافي الجزم بالوقوع) أى وقوع تلك الأمور العادية جزما مطابقا للواقع، ثابتا لا يزول بالتشكيك اصلا (كما في بعض المحسوسات) فإنا نجزم بأن هذا الجسم شاغل لهذا الحيز في هذا الآن جزما لا يتطرق إليه شبهة، مع أن نقيضه ممكن في ذاته، فقد ظهر أن الجزم في العاديات واقع موقعه، وليس فيها احتمال النقيض القادح في الجزم، واما احتمال النقيض بمعنى إمكانه الذاتي فليس بقادح فيها كما في المحسوسات اليقينية، وقد مر ذلك في تعريف العلم. الشبهة (الثالثة) لمنكري البديهيات فقط أن يقال: (للأمزجة والعادات تاثير في الاعتقادات فقوى القلب) بحسب المزاج (يستحسن الإيلام) ولا يستقبحه بل ربما يلتذ به (وضعيف القلب يستقبحه) جدا، ولذلك ترى بعضهم لا يجوزون ذبح الحيوانات للانتفاع باكلها (ومن مارس مذهبا من المذاهب) حقا كان أو باطلا، واعتاد به (برهة من الزمان ونشأ عليه فانه) بمجرد اعتياده به من غير آن يلوح له ما يظهر به حقيته (يجزم بصحته) وإن كان باطلا (وبطلان ما يخالفه) وإن كان حقا (فجازأن يكون الجزم) من بديهة العقل (في الكل) أي كل ما حكمت به (لمزاج أو عادة عامين) لجميع افراد الإنسان المتفقين في البديهيات، فلا تكون يقينية كالقضايا الصادرة من الأمزجة والعادات المخصوصة (لا يقال: نحن تقرض أنفسنا خالية عن جميع الأمزجة والعادات ومع ذلك نجد من أنفسنا الجزم بهذه الأمور) البديهية، فالحاكم فيها صريح العقل بلا تاثير من مزاج أو عادة (لأنا نقول: لا نسلم إمكان فرض الخلو) عن قوله: (وكان له أخرى إلخ) اي تارة اخرى.
قوله: (دوي) اي صوت خفي كدوي الذباب فيجوز أن تكون الذبابة جبريل بتبديل الصورة ودويها دويه.
قوله: (كما في المحسوسات إلخ) إشارة إلى نقض تلك الشبهة فإنها جارية فيها مع أنهم قائلون بها.
قوله: (وكان له اخرى دوى كدوى الذباب) فيه بحث لأن المستفاد من هذا النقل آن جبرئيل عليه السلام كان له دوى كدوي الذباب، وهذا لا يستلزم كونه على صورته حتى يستدل به على تجوهز أهل الملة كون الذبابة التي نراها جيرئيل عليه السلام، وليس الكلام في التجويز في نفس الأمر بل في الاستدلال علهي بهذا المنقول تدبر.
قوله: (لأنا نقول: لا نسلم إمكان فرض الخلو إذ قد لا نشعر ببعض إلخ) قيل: عليه إمكان فرض الخلو إنما يستدعي إمكان الشعور لا الشعور بالفعل، قالدليل لا يطابق الدعوى، وأجيب
Sayfa 180