Sharh al-Arba'een al-Nawawiya by Atiyya Salim

Atiyah Salem d. 1420 AH
73

Sharh al-Arba'een al-Nawawiya by Atiyya Salim

شرح الأربعين النووية لعطية سالم

Türler

حوت موسى وإعادة الحياة إليه نأتي إلى عالم البحار، فنجد حوت موسى ﵇، فإن موسى سأل ربه: هل هناك أحد أعلم مني؟ ليس هذا ادعاء العلم من موسى واستيعابه، ولكنه رغبةٌ في استزادة العلم، أي: إن كان هناك أحد أعلم مني أذهب إليه لأستزيد منه علمًا، لا يظن أحد بأن موسى تطاول وادعى أنه أعلم الموجودين، ولكنه تطلع وتواضع من العالم في أن يطلب من هو أعلم منه ليستزيد من علمًا. فقال الله: نعم، عبدٌ من عباد الله اسمه الخضر، قال: أين مكانه؟ قال: مجمع البحرين، قال: وكيف أعرف مكانه؟ قال: خذ حوتًا يكون زادًا لك، ويكون موضع الحوت يخبرك عن مكانه، فخرج موسى ﵇ مع فتاه، حتى إذا قال: ﴿آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا * قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا﴾ [الكهف:٦٢-٦٣] . في الآية الأولى: ﴿فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا﴾ [الكهف:٦١] السرب، والسراب: الشيء الممتد الذي تراه من لا شيء، و(سربًا في البحر) أي: اتخذ طريقًا ويشق طريقه في الماء كما لو جاء زورقًا ومشى بسرعة فإنه يترك وراءه سربًا في الماء -علامة- كي يكون سلوكه في الماء محسوسًا ملموسًا يشاهده الإنسان. فهذا حوت كما يقول المفسرون: مشوي مملوح يحملونه لكي يتغدون به، قال الغلام: لا أدري عن الموضوع، ولا يدري عن السر الذي بين موسى وبين ربه، معه غلام رفيق له في الطريق ومعهما الغداء، وقال: أعطني الغداء، هذا الحوت المشوي المملوح يعيد الله إليه الحياة ويرجع إلى الماء ويسري فيه كما كان قبل أن يخرج من الماء، فمن الذي رد إليه الحياة وعاد إلى ما كان عليه؟! كل ما سبق من الأمثلة يعد من أدلة البعث التي اشتمل عليها كتاب الله، وهي أمثلة ملموسة للأمم كلهم، وقد جاءنا الصادق المصدوق ﷺ بذلك، وقد التزمنا بالتصديق بما يأتي به، وذلك من لوازم (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، وآمنا بالملائكة الذين جاءوا بالكتاب، والكتاب فيه البعث، وفيه تلك الأخبار كلها، ولهذا لم يعد أمر البعث مستغربًا أو مستبعدًا؛ لأننا شاهدنا آثار وجوده وآحاده في الحياة. ومن هنا كان الإيمان باليوم الآخر من أركان الإيمان، وكان هو منطلق الالتزام بالتكاليف فعلًا وتركًا، وبالله تعالى التوفيق، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد ﷺ.

8 / 8