136

شرح العقيدة الواسطية لخالد المصلح

شرح العقيدة الواسطية لخالد المصلح

Türler

قربه ومعيته سبحانه لا ينافي علوه وفوقيته ثم قال ﵀: (وما ذكر في الكتاب والسنةمن قربه ومعيته لا ينافي ما ذكر من علوه وفوقيته) وهذه مسألة مهمة للغاية، وهي وجوب اعتقاد ما أثبته الله لنفسه، وأنه لا تعارض بين ما أخبر به عن نفسه من العلو وما أخبر به عن نفسه من القرب والدنو والنزول والإتيان والمجيء والاستواء، وغير ذلك من الصفات، ومن توهم التعارض فإنه لم يقدر النصوص حق قدرها. فالواجب على المؤمن أن يؤمن بجميع ما أخبر الله به عن نفسه، وجميع ما أخبر به رسوله ﷺ، وأن يعتقد أن ذلك حق على حقيقته، ولا يرد في ذلك أن اجتماع هذه الأوصاف ممتنع في حق المخلوق، فإن ذلك هو المناسب للمخلوق، أما الخالق جل وعلا فإنه ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته، ولا فيما يجب له، ولا في أفعاله، ولا في أسمائه جل وعلا، فتنبه لهذا، فإذا ضاق عقلك وقلت: إنه إذا قلنا إنه ينزل يلزم من ذلك ألا يكون عاليًا والعلو صفة ذاتية، فكيف تنفي هذه الشبهة وهذا الإيراد؟! بأن تعلم أنه ليس كمثله شيء، وأنه ﷾ ما وصف به نفسه ليس له نظير في المخلوقات، كما جاءت أدلة ذلك متواترة وكثيرة في الكتاب والسنة. وبهذا يندفع الوهم الوارد عند بعض الناس في صفة القرب، قالوا: إذا كان يقرب من بعض عباده فكيف يكون عاليًا على خلقه؟! الجواب: أنه ﷾ ليس كمثله شيء في جميع نعوته؛ ولذلك قال المؤلف ﵀: (فإنه سبحانه ليس كمثله شيء في جميع نعوته)، يعني: في جميع ما وصف به نفسه، لا من جهة الاجتماع ولا من جهة الأفراد، من جهة الاجتماع كاجتماع العلو مع القرب، أو العلو مع المعية، أو العلو مع النزول، أو الظهور مع وصف الباطن ﷾، فهل يمكن أن يكون مخلوق من خلق الله ظاهرًا وباطنًا في نفس الوقت ويكون أول وآخر في نفس الوقت؟ لا يمكن، لكن امتناع هذا في المخلوق لعجزه وقصوره وضعفه، وأما الخالق فليس كمثله شيء ﷾، وهو الموصوف بصفات الكمال، فلا تعارض من ثبوت صفات الكمال لله؛ إذا كانت في المخلوق، وفيما ندركه منا، لا يمكن أن تجتمع، ولا يمكن أن تثبت لواحد. فتنبه لهذا فإنه مهم، واجعل معك هذا السلاح الماضي، والسيف القاطع لكل من عارضك وحاول أن يشكل عليك: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾ [الشورى:١١]، فهو ﷾ كما قال المؤلف: (وهو عليٌ في دنوه) يعني: في قربه من عباده ﷾، (قريب في علوه) ولا تعارض بين هذين الوصفين.

16 / 5