شرح العقيدة الواسطية لخالد المصلح

Khaled Al-Musleh d. Unknown
113

شرح العقيدة الواسطية لخالد المصلح

شرح العقيدة الواسطية لخالد المصلح

Türler

إثبات معية الله لخلقه وبيان أنها لا تنافي علوه فوق عرشه بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: قال المؤلف ﵀: [وقوله ﷺ: (أفضل الإيمان أن تعلم أن الله معك حيث ما كنت) حديث حسن. وقوله ﷺ: (إذا قام أحدكم إلى الصلاة فلا يبصق قبل وجهه ولا عن يمينه، ولكن عن يساره أو تحت قدمه) متفق عليه. وقوله ﷺ: (اللهم رب السماوات السبع والأرض ورب العرش العظيم، ربنا ورب كل شيء، فالق الحب والنوى، منزل التوراة والإنجيل والقرآن، أعوذ بك من شر نفسي، ومن شرك كل دابة أنت آخذ بناصيتها، أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقض عني الدين وأغنني من الفقر) رواه مسلم. وقوله ﷺ لما رفع أصحابه أصواتهم بالذكر: (أيها الناس! أربعوا على أنفسكم، فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبًا، إنما تدعون سميعًا بصيرًا قريبًا، إن الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته) متفق عليه] . هذه الأحاديث فيها إثبات معية الله ﷿ لخلقه، وفيها إثبات قربه ﷾ من عباده، فبعد أن فرغ الشيخ ﵀ من الأحاديث الدالة على علو الرب جل وعلا ذكر الأحاديث الدالة على معيته ﷾ لخلقه كما فعل ذلك في الآيات، وذلك أنه قد يتوهم متوهم أن إثبات علو الرب يناقض وينافي معيته ﷾ لخلقه، والمؤمن تابع للنصوص، فالنصوص دلت على علوه ودلت على معيته، ولا تعارض بين ما أخبر الله به عن نفسه كما قال تعالى: ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا﴾ [النساء:٨٢]، ولكنه من الرب الحكيم الخبير الذي أتقن كل شيء، ومما أتقنه ﷾ خبره، فإنه لا اضطراب ولا اختلاف ولا تضاد فيه. يقول ﵀: (وقوله ﷺ: (أفضل الإيمان أن تعلم أن الله معك حيثما كنت» أفضل الإيمان أي: أعلى الإيمان، وفي هذا فائدة وهي: أن الإيمان يتفاضل، وأنه درجات كما سيأتينا إن شاء الله تعالى في مبحث الإيمان. قوله: (أفضل الإيمان -وهو أعلاه- أن تعلم أن الله معك) والمعية هنا الثابتة هي معية العلم، المعية العامة التي يثبتها أهل السنة والجماعة. ومعنى: (أن تعلم أن الله معك) هو ما جاء في الحديث الآخر: (أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك)، وقد ذكرنا في شرح حديث جبريل أن الإحسان أعلى مراتب الدين، وهذا يؤيد ذلك، فإن أفضل الإيمان أن تعلم أن الله معك للمقامين: إما أن تعبد الله كأنك تراه، أو فإن لم تكن تراه فإنه يراك. وكلاهما داخل في قوله: (أن تعلم أن الله معك)؛ لأن المعية إما أن يراك أو أن تراه. قوله: (أفضل الإيمان أن تعلم أن الله معك حيثما كنت) حيث هنا مكانية، يعني: في أي مكان كنت، وهذه المعية ثابتة كما تقدم في الآيات، قال الله جل وعلا: ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ﴾ [الحديد:٤]، وهذه المعية ما هو مقتضاها؟ وما حكمها؟ وما لازمها؟ الجواب: مقتضاها وحكمها ولازمها أن الله ﷾ مطلع على عبده، مهيمن عليه، متصرف فيه، وأن العبد لا خروج له عن إرادة الله ﷿ وتقديره وعلمه وإحاطته، هذا مقتضاها، فأهل السنة والجماعة يثبتون هذه المعية. ولا تظن أن المعية الثابتة له ﷾ تقتضي المخالطة أو المماسة، بل هي تفيد مطلق المقارنة، لكن هل المقارنة تقتضي المخالطة والمماسة وأنه مع خلقه يخالطهم؟ الجواب: تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا، فهو ﷾ المستوي على عرشه البائن من خلقه، وهو معهم أينما كانوا كما أخبر، وسيأتينا بيان ذلك بالأدلة في كلام الشيخ ﵀. ثم قال: (وقوله: (إذا قام أحدكم إلى الصلاة فلا يبصقن قِبَل وجهه -أي: جهة وجهه، يعني: أمامه- ولا عن يمينه، فإن الله قبل وجهه)، وذلك أن الله ﷾ ينصب وجهه للمصلي تفضلًا وكرمًا وإحسانًا، وهذا لكل مصلٍ، فربنا ينصب وجهه الكريم لنا وقلوبنا غافلة، فتجد القلب في كل واد نازل، وبعض الناس تجد وجهه منصرفًا، فيكون منصرفًا عن صلاته بقلبه وقالبه. والواجب على المؤمن إذا دخل في صلاته أن يستحضر أن رب السماوات والأرض جل وعلا قد نصب وجهه له، وهذا لكل مصل، وسبحان ربي العظيم الذي وسع خلقه! وإلا كان الواحد يقول: الآن يكون في المسجد الواحد بل في الصف ما يقارب ستمائة رجل، فكيف ينصب الله ﷿ وجهه لكل واحد من هؤلاء إمامًا أو مأمومًا؟ الجواب: أنه لا كيف في هذا الأمر، فالذي يرزقهم في ساعة واحدة، ويدبر شئونهم في ساعة واحدة، لا يمتنع عليه مثل هذا. ثم إن القاعدة فيما أخبر الله ﷾ به عن نفسه: أنه لا كيف، فالكيف مجهول، والإيمان بما أخبر به الرسول واجب. ثم قال: (ولكن عن يمينه أو يساره أو تحت قدمه)، هذا فيه فائدة وهي: أن كون الله سبحان وتعالى قبل وجهه لا ينافي علوه، كما أن المعية لا تنافي العلو، فكذلك كونه جل وعلا ينصب وجهه للعبد فإن ذلك لا ينافي علوه كما سيأتي بيانه في كلام الشيخ ﵀ بالدليل العقلي. ثم قال: (وقوله ﷺ: (اللهم رب السماوات السبع، والأرض، ورب العرش العظيم)، سبحان ربي! يذكر الله ﷾ ربوبيته العامة والخاصة، وكثيرًا ما يضيف الله ﷿ ربوبيته لمخلوقات عظيمة تدل على عظمته؛ لأن ربوبيته للعظيم تدل على عظمته، (رب السماوات السبع والأرض)، وهذا يدل على عظمته؛ لأن رب هذه المخلوقات العظيمة لابد أن يكون عظيمًا. (اللهم رب السماوات السبع والأرض ورب العرش العظيم، ربنا -هذه ربوبية خاصة- ورب كل شيء -وهذه ربوبية عامة- فالق الحب والنوى، منزل التوراة والإنجيل والقرآن)، هذا كله توسل إلى الله ﷾ بصفاته، فيتوسل العبد بصفات الله ﷿ وربوبيته العامة والخاصة وما اتصف به من كريم الصفات وعاليها. (أعوذ بك من شر نفسي)، فبعد أن توسل توصل إلى سؤاله فقال: (أعوذ بك) والاستعاذة: هي طلب العوذ، وهو: طلب الحفظ والحماية. (أعوذ بك من شر نفسي)، والنفس -يا إخوة- مليئة بالشرور، فإن لم يعنك الله عليها فإنها تتسلط عليك، وتوردك المهالك، فينبغي للإنسان أن يحرص على الاستعاذة بالله من شر نفسه، فكثيرًا ما يستعيذ الناس من شر الشيطان، ولكنهم يغفلون عن عدو آخر وهو النفس الأمارة بالسوء. (أعوذ بك من شر نفسي، ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها، وشر كل ذي شر) يشمل شر بني آدم، وشر الجن، وشر الشياطين. (أنت الأول فليس قبلك شيء)، هذا فيه إثبات أوليته ﷾. (وأنت الآخر فليس بعدك شيء)، هذا فيه إثبات آخريته جل وعلا، وهذان الاثنان مقترنان، الأول والآخر، وبهما يثبت لله ﷿ الإحاطة الزمانية، فهو محيط بكل شيء زمنًا ﷾، فهو الأول الذي ليس قبله شيء، والآخر الذي ليس بعده شيء، فهذا أفادنا إحاطته ﷾ زمنًا. (وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء)، وهذا فيه إحاطته مكانًا ﷾، فلا دونه شيء، ولا فوقه شيء ﷾، فهو عليٌّ في دنوه، قريب في علوه جل وعلا، كما سيأتي في كلام الشيخ ﵀. ثم سأل النبي ﷺ سؤالًا آخر فقال: (اقض عني الدين، وأغنني من الفقر)، وهذا الحديث فيه إثبات علوه من قوله: (وأنت الظاهر فليس فوقك شيء)، وأيضًا من قوله: (ورب العرش العظيم)، وربوبيته للعرش ربوبية خاصة؛ ولذلك اختصه بالاستواء عليه، وفيه إثبات علوه جل وعلا من قوله: (منزل التوراة والإنجيل) لأن الإنزال لا يكون إلا من علو إلى سفل. ثم قال: (وقوله ﷺ لما رفع الصاحبة أصواتهم بالذكر: (أيها الناس! أربعوا على أنفسكم -أي: هونوا على أنفسكم، ولا تكلفوها ولا تشقوا عليها برفع أصواتكم- فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبًا) النفي هنا نفي مفصل في صفات الله ﷿، ومقصوده والمراد منه إثبات كمال سمعه ﷾، وكمال بصره جل وعلا. (فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبًا، إنما تدعون سميعًا بصيرًا) . وقد ذكرنا قبل في صفة السمع أن سمع الله ﷿ يرد عامًا وخاصًا، فهنا السمع سمع خاص، وهو خاص بالداعي نظير قوله تعالى: ﴿إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ﴾ [إبراهيم:٣٩]، ونظير قول المصلي: سمع الله لمن حمده، فهذا سمع خاص، وهو سمع الإجابة والقبول والإثابة. وأما السمع العام فهو: إدراك الأصوات، والله جل وعلا لا تخفى عليه خافية كما قالت عائشة ﵂ في نبأ المجادلة: (سبحان الذي وسع سمعه الأصوات، إنها لفي طرف الحجرة أو في جانب الحجرة وإنه ليخفى عليَّ بعض قولها)، والله جل وعلا قد قال: ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ﴾ [المجادلة:١]، وهو جل وعلا فوق عرشه، فوق السماء السابعة ﷾. (إنما تدعون سميعًا بصيرًا قريبًا)، والقرب هنا هل هو القرب العام؟ الجواب: لا، إنما هو قرب خاص من الداعي، ولم يرد القرب عامًا لا في الكتاب ولا في السنة، إنما ورد القرب خاصًا هذا هو الصحيح، فالله أخبر بقربه من الداعي، وبقربه من المصلي، وبقربة من الساجد، وبقربة من أهل عرفة فإنه يدنو عشية عرفة من أهل الموقف، وهذا قرب خاص ليس عامًا. قال: (إن الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته) وهذا -كما ذكرنا قبل- قرب خاص.

13 / 2