50

يصدق على كل عبقرية تخلق الفن والفن لا يخلقها، وأنه ما من مذهب من مذاهب النقد يستطيع أن ينكر شاعرا عظيما أو يجد من يتقبل حكمه إن أنكره؛ لأن الشاعر العظيم يأتي بدستوره الذي يجري عليه حسابه، وقد يضيق المذهب فلا تتسع حدوده لشاعرين عظيمين. •••

والنقاد يطيلون النقاش ولا حرج عليهم أن يطيلوه في كل مطلب تتشعب نواحيه وتتعمق أغواره وتتقابل زواياه، لكنهم قد استطاعوا في نقد شكسبير أن يقسموا الكلام عنه إلى قسمين: قسم تتقارب فيه وجهات النظر لأنه أشبه الأشياء بوصف الواقع، وهو الكلام على خصائص الأداء من لفظ وأسلوب وطريقة تنظيم للمناظر والأدوار، وقسم آخر هو الذي يطول فيه النظر ويكثر التعليق والتعليل، وهو الكلام على المزايا العليا التي امتازت بها عبقرية شكسبير. •••

والكلام على أدائه من وجهة الألفاظ والمفردات مسألة إحصاء؛ إذ كانت مفرداته تحسب بالأرقام وتزيد على المفردات في كتابات كل أديب استخدم اللغة الإنجليزية من قبل القرن السادس عشر إلى اليوم، وتبلغ عدتها ستة عشر ألف كلمة، يدخل منها في معجماته الخاصة التي تعرف باسم مصطلحات شكسبير أكثر من عشرة آلاف.

وسر هذه الكثرة أن شكسبير كتب في العصر المتوسط بين ابتداء الكتابة باللغة الإنجليزية وبين شيوعها والاقتصار عليها في موضوعات الفن والثقافة وسائر الموضوعات.

فقبل القرن السادس عشر بأجيال قليلة كانت اللاتينية لغة العلم والدين في إنجلترا وفي القارة الأوروبية، وكانت الفرنسية لغة السياسة والمخاطبات الرسمية في أوروبة الغربية، ثم تنبه الشعور باستقلال الفكر واستقلال الوطن في عصر النهضة، فترجمت الكتب اللاتينية والفرنسية إلى اللغات الوطنية، وأخذت طائفة من الإنجليز في استخدام لغة الحديث للكتابة، فظهر أسلوب الكتابة الذي تختلط فيه الكلمات الإنجليزية الدارجة والكلمات النورماندية، أو السكسونية وأشتات من الكلمات النورماندية أو السكسونية وأشتات من الكلمات اللاتينية «المكلنزة» في هجائها والنطق بها على النحو الذي تنطق به الكلمات الشائعة.

وأكثر شكسبير من تلك الكلمات الشائعة في لهجات المدن ولهجات القرى من الأقاليم الوسطى، وكان يفضل الاقتباس من هذه اللهجات كلما اقتبس الكتاب المعاصرون من اللاتينية أو الإغريقية؛ لأنه لم يكن واسع المحصول من مفردات هاتين اللغتين، وقد ثبتت مفرداته في اللغة وإن تغير المفهوم من بعضها مع تغير المصطلحات والأذواق، ثم تخصصت الكتابة بألفاظها وعباراتها، فبقيت كلمات من مفرداته مهملة في الكتابة متداولة في الحديث، ولا سيما في قرى الأقاليم الوسطى التي أخذ منها محصوله من عبارات الريفيين.

ويحرص الإنجليز على تدوين لغة شكسبير فيحصرون مفرداته في معجمات خاصة أو يذكرونها في المعجمات العامة مشفوعة بالنسبة إليه، وقد يلحقونها بمجموعة أعماله ويكتفون منها بما يفهم على وجه يخالف وجهها في الكلام المتداول بعد عصره، وكثيرا ما تأتي هذه المخالفة من إيثاره للكناية والمجاز في بعض التراكيب، ولا يعسر فهمهما بغير تفسير على من ألقى باله إلى طريقته في اللحن والإيحاء.

أما أسلوبه في تركيب المفردات فالغالب عليه في أول عهده بالتأليف المسرحي أن يجنح إلى التفخيم والتأثير وأن يودع الجملة غاية ما تحمله من المعنى الصريح والإشارات الخفية.

وكان من الطبيعي أن تغلب عليه هذه النزعة في أول عهده بالتأليف للمسرح؛ لأنه كتب للمسرح في عهد لم تخلص فيه الأذهان من بقايا قصص البطولة والقداسة، وبدأ كتابته باللغة الدارجة فلم يكن في وسعه أن يحلها محل اللاتينية وأن ينزل بها من أحاديث البطولة والقداسة دون أن يمسح عنها غبار الابتذال والسوقية بشيء من تفخيم الخطاب والمجاز، وأكبر الظن أنه لم يكن طليق الرغبة في هذه النزعة؛ لأنها كانت شعار المسرح على ألسنة أقطابه وأصحاب الرأي والعمل في توجيه التمثيل والتأليف، ومنهم إدوارد ألين

Alleyn

Bilinmeyen sayfa