كان الكاتب المعاصر جوسون
Gosson (1554-1624) لسان حال المحافظين المتشددين، وكان شعاره في حملته على المسرحية الجديدة أنها فن بلا روح، أو أنها فن أضاع روحه؛ لأن جوسون كان يلتمس روح الفن في القداسة التقليدية، ولم يكن لهذه القداسة محل ظاهر في المسرحية الجديدة التي تتناول الإنسان على سجيته أو على علاته، وتكشف عنه ألفافا بعد ألفاف من حجب الرياء التي طوته فيها موروثات العرف والعقيدة.
وكان مارلو رائد المسرح في عصر شكسبير لسان حال الغلاة من المجددين يقول: إن الدين لعبة ... وإنه «لا خطيئة أقبح من الجهالة.» وشعاره المفهوم أن المسرحية الجديدة قد وجدت فكرها ولم تضيع روحها؛ لأن الروح لا تضيع مع المعرفة، وإنما مضيعة الروح الجهالة الجهلاء.
وكان العصر بحاجة إلى مذهب قوام بين المذهبين، فكان قوامه في عالم المسرح مذهب شكسبير معتدلا متوسطا بين الإيمان بالمعرفة والإيمان بالغيب؛ لأن في الأرض والسماء أمورا لا يحلم بها عقل الإنسان، وعقل الإنسان مع هذا موفور الحق مسموح له بدعاوى القوة والعظمة وأعذار الضعف والقصور.
ولعل المعرفة لم تكن وحدها كفؤا لمناضلة العادات المتراكمة من بقايا القرون الوسطى لو لم تصاحبها الحماسة الوطنية وتتجه معها إلى وجهتها في تلك الحقبة من نشأة المسرحية الجديدة، فإن هذه المسرحية نشأت في إبان يقظة الأمة والدولة واتجاههما معا إلى مطاولة المجد الروماني في مظهره القديم ومظهره الجديد، فلهج العصر كله بمساماة رومة القديمة في السيادة واتساع السلطان، ولهج العصر كله بحق الكنيسة الوطنية في وجه الحق المطلق من جانب أحبار رومة وأئمة الدين المرسلين من قبلهم إلى الأقطار الأجنبية؛ وأصبح «الاستقلال» بالفن فخرا وطنيا ونزعة نفسية تمتزج بالأنفة وحب المعرفة فتعصف بعقبات العادة والعرف كلما اعترضتها في سبيلها، وراق للناقد ميرز
Meres
أن ينظر إلى نهضة الفن في بلاده من هذه الناحية، فقال: «إذا عد بلوتس وسينكا أبرع كتاب اللاتين في الملهاة والمأساة، فإن شكسبير أبرع من كتب للمسرح في هذين الفنين.»
1
ومن ظواهر هذه النزعة المستقلة أن القوم سلكوا في مسرحهم المسلك الذي يوافقه ويوافقهم ولم يتقيدوا بشروط المسرح القديم في قواعد التأليف أو التمثيل، وكان الكاتب الإيطالي كستلڨترو
Caslivetro (1572) قد اقتبس من كتاب أرسطو شرط الوحدة في الحادث والوحدة في الزمن، وأضاف إليهما شرط الوحدة في المكان لأنه لم يرد في النسخة المحفوظة من كتاب أرسطو الذي وصل إليه، وتناقل المترجمون إلى اللغات الأوروبية هذه الشروط؛ فقيدوا مدة المسرحية بيوم أو ما يزيد على اليوم بقليل، وقيدوا موضوعها بحادث متصل الأجزاء لا ينفصل جزء منها عن سائرها دون إخلال بزبدة الرواية أو غايتها، وقيدوا مجال الحادث بمكان واحد أو بمجال تزدحم فيه الوقائع في أضيق الحدود كما جاء في الفقرة السادسة والعشرين من شعريات الحكيم اليوناني القديم، ونقلت هذه القواعد إلى اللغة الإنجليزية واطلع عليها العارفون باللغات في مراجعها من اللاتينية واليونانية، ولكنها أهملت في بيئة المسرح كما أهملت آراء الحكيم في بيئة العلوم التجريبية، وجاء الشاعر الناقد درايدن
Bilinmeyen sayfa