وكان البيانو أول شيء رأته فرانسي حين دخلت أسرة نولان الحجرة الأمامية، في تجولها الأول وهي تفحص البيت الذي ستسكنه، وحاولت أن تحيطه بذراعيها ولكنه كان أكبر من أن تستطيع ذلك، فاكتفت بأن احتضنت المقعد ذا الوشي الوردي الباهت.
ونظرت إلى البيانو والفرحة ترقص في عينيها، وكانت لاحظت بطاقة بيضاء في نافذة الطابق الذي يقع أسفل طابقها، كتب عليها «دروس للبيانو» ولاحت لكاتي فكرة.
وجلس جوني على المقعد السحري الذي يدور أو يعلو أو يهبط، بما يناسب حجم من يجلس عليه، وأخذ يعزف، ولم يستطع العزف بلا شك أو قراءة العلامات الموسيقية، ولكنه عزف قليلا من المقامات، واستطاع أن يغني أغنية ويعزف أنغاما من حين إلى حين، وكان لها في الحق وقع كأنما هو يغني متمشيا مع اللحن، وعزف مقاما صغيرا، ونظر في عيني طفلته الكبرى، وابتسم ابتسامة ملتوية، وابتسمت فرانسي لابتسامته، وقلبها ينتظر مترقبا في شوق ولهفة، وعزف المقام الصغير ثانية والتزمه، ثم غنى على صوت صداه الرقيق بصوته الصافي الحار:
إن شواطئ ماكسويلتن تبدو جميلة،
حين يطالعها الندى في باكورة الصباح (مقام - مقام)
وهناك وافتني آني لوري وبرت بوعدها (مقام - مقام - مقام - مقام).
وأشاحت فرانسي بوجهها متحاشية أن يرى أبوها دموعها، وقد خشيت أن يسألها عن سبب بكائها فلا تستطيع لذلك جوابا، كانت تحبه، وتحب البيانو، لكنها لم تجد سببا يبرر الدموع التي سالت من عينيها في سهولة ويسر.
وتكلمت كاتي، وكانت في صوتها رنة من ذلك الحنان العذب المعهود، الذي افتقده جوني في السنة الأخيرة: هل هذه أغنية أيرلندية يا جوني؟ - إنها اسكتلندية. - لم أسمعك تغنيها قبل ذلك. - نعم، لا أظن أني غنيتها، وما هي إلا أغنية أعرفها، إنني لم أغنها أبدا؛ لأنها ليست الأغنية التي يرغب الناس في سماعها وسط الضجيج حيث أعمل، فإنهم سرعان ما يسمعون أغنية «نادني في عصر يوم مطير»، فإذا أمعنوا في الشراب لا يسمعون إلا أغنية «أديلين الحلوة».
وسرعان ما استقر بهم المقام في البيت الجديد، وبدا الأثاث المألوف غريبا، وجلست فرانسي على كرسي ودهشت أن ملمسه، كان كملمسه عندما كانوا في مسكنهم بشارع لوريمر، ولكن إحساسها كان قد تغير، فلماذا لم يتغير ملمس الكرسي؟
وبدت الحجرة الأمامية جميلة بعد أن نظمها أبوها وأمها، كان هناك بساط أخضر لامع رسمت عليه ورود قرنفلية اللون، وعلقت على النوافذ ستائر مزركشة منشاة بلون الزبد، واحتلت وسط الحجرة مائدة لها سطح رخامي وثلاث قطع من المخمل الرديء الأخضر تغطي كراسي البهو، ويقوم في الركن حامل من الخيزران وضعت عليه حافظة صور مغطاة بالمخمل الرديء، تشتمل على صور للأخوات من أسرة روملي، وهن طفلات يرقدن على بطونهن فوق قطعة من الفراء، والخالات الكبيرات ينظرن في صبر ويقفن عند أكتاف أزواجهن الجالسين ذوي الشوارب الكبيرة، ووضعت كئوس تذكارية صغيرة على بعض الرفوف الصغيرة، وكانت الكئوس وردية أو زرقاء محلاة برسوم من الذهب المرصع، تمثل زهور «البنسيه» الزرقاء وورودا حمراء أمريكية جميلة، وكانت هناك عبارات مثل «اذكرني» و«الصداقة الحق» منقوشة بالذهب، وكانت الكئوس الصغيرة والأطباق هدايا تذكارية تلقتها كاتي من صديقاتها القديمات، ولم تكن تسمح لفرانسي أبدا أن تلعب بها.
Bilinmeyen sayfa