ووضعت البنس في جيب ردائها وقدمت له باقي المبلغ، وكان نيلي في العاشرة من عمره، أصغر من فرانسي بسنة واحدة، ولكنه كان «الرجل»، فأخذ المبلغ وقسم البنسات في عناية وحرص: «ثمانية سنتات للحصالة وأربعة سنتات لك وأربعة سنتات لي»، تلك كانت القاعدة أن يودعا نصف ما يحصلان عليه من أي مصدر في علبة القصدير، التي ثبتاها بمسامير في أشد أركان الكرار ظلاما.
وعقدت فرانسي النقود المدخرة في منديل يدها، ونظرت إلى البنسات الخمسة التي تمتلكها، وقد أدركت مغتبطة أنها يمكن أن تستبدل بها قرشا كاملا.
ورفع نيلي الحقيبة المصنوعة من القنب وطواها تحت ذراعه، وشق طريقه إلى محل تشارلي الرخيص الأسعار، وقد سارت فرانسي خلفه مباشرة، وكان مخزن تشارلي الرخيص الأسعار محلا مجاورا لكارني، يبيع صنوف الحلوى ببنس لكل قطعة، وتمونه تجارة النفايات، وكانت خزانته تمتلئ في نهاية يوم السبت ببنسات علاها الصدأ، بيد أن فرانسي لم تدخل المحل ووقفت بجوار بابه، حيث إن العرف جرى على أن المحل للصبية من الذكور.
وكان الصبية ما بين الثامنة والرابعة عشرة من عمرهم، يتشابهون في شكلهم المتشرد بسراويلهم الصغيرة وقلانسهم ذوات القمم المنكسرة، ووقفوا حول المحل وأيديهم في جيوبهم وأكتافهم النحيلة محنية إلى الأمام في حدة، وإنه لمن المحتمل أن تنمو أجسامهم محتفظين بمنظرهم هذا ، واقفين على هذا النحو في غير ذلك من الأماكن التي يغشاها المتسكعون، وقد يكون الفارق الوحيد الذي يحدث هو السيجارة، التي تبدو وكأنما ثبتت إلى الأبد بين شفاههم، ترتفع وتنخفض مع نبرات أصواتهم حين يتكلمون.
ومضى الصبية حينئذ يثرثرون في عصبية، ووجوههم النحيلة تستدير من تشارلي إلى بعضهم، ثم تتجه إلى تشارلي مرة أخرى، ولاحظت فرانسي أن بعضهم قص شعره لحلول الصيف، وأن الشعر قد اجتز قصيرا، حتى إنها رأت على فروة رءوسهم حزوزا في الأمكنة التي تخللها المقص بعمق، واستطاع هؤلاء المحظوظون أن يطووا قلانسهم في جيوبهم أو يزيحوها إلى الخلف على رءوسهم. أما أولئك الذين لم يحلقوا والذين تجعد شعرهم عند مؤخرة أعناقهم في رفق لا تزال فيه سمات الطفولة، فقد أحسوا بالخزي وجذبوا قلانسهم على رءوسهم حتى بلغت آذانهم، فأكسبتهم بعض الشبه بالبنات على الرغم من حركاتهم النابية.
ولم يكن محل تشارلي الرخيص الأسعار رخيصا، كان اسما على غير مسمى ولم يكن صاحبه تشارلي، ولكنه أخذ ذلك الاسم ووضعه على لافتة المحل، وما كان لفرانسي أن تكذب اللافتة، وكان تشارلي يعطي رقما لكل صبي مقابل كل بنس، ومن خلف مائدة الصرف ثبت خمسين خطافا على لوح من الخشب، تتدلى من كل خطاف جائزة، ولم يكن من الجوائز القيمة إلا القليل، مثل قبقاب الانزلاق ذي العجل، وقفاز لعبة البيسبول، ودمية لها شعر حقيقي، وما إلى ذلك ... وحملت الخطافات الأخرى نشافات وأقلام رصاص وغيرها من الأدوات التي تباع ببنس واحد، وراقبت فرانسي نيلي وهو يشتري رقما، وينزع الورقة القذرة من الظرف المهلهل ليجدها ستة وعشرين، ونظرت فرانسي على اللوحة آملة في نيل إحدى الجوائز، ولكن نيلي سحب ممحاة تساوي بنسا.
وسأله تشارلي: أتختار جائزة أم حلوى؟ - أختار الحلوى، فما قولك؟
وكان هذا ما يحدث دائما، ولم تسمع فرانسي أبدا عن صبي ربح جائزة قيمتها أكثر من بنس واحد، وكانت قباقيب الانزلاق في الحقيقة صدئة، وشعر الدمية يغشاه التراب، وكأنما بقيت هذه الأشياء تنتظر هناك أمدا طويلا، مثلها مثل دمية الكلب الأزرق والجندي المصنوع من القصدير.
وقررت فرانسي أنها سوف تشتري في يوم ما حين تملك خمسين سنتا الأرقام جميعا، وتربح كل شيء على اللوحة، وتصورت أنها ستكون صفقة رابحة حين تحصل على قباقيب الانزلاق والقفازات والدمية والأشياء الأخرى جميعها مقابل خمسين سنتا. ترى ما الذي جعل قباقيب الانزلاق وحدها تساوي أربعة أضعاف هذه القيمة، ولسوف يحضر نيلي في هذا اليوم العظيم لأن البنات نادرا ما كن يناصرن تشارلي. والحق أن عدد البنات كان قليلا في ذلك اليوم من أيام السبت، بنات جريئات عصبيات، أكثر نضجا مما يتناسب وأعمارهن، يتكلمن بصوت عال ويلعبن مع الصبية لعبة الجياد، بنات تنبأ لهن الجيران بمستقبل لا يبشر بخير.
واخترقت فرانسي الشارع ذاهبة إلى محل جيمبي لبيع الحلوى، وكان جيمبي أعرج، لكنه كان مهذبا عطوفا على الأطفال الصغار، أو لعله كان كذلك في نظر الناس، حتى كان ذلك اليوم المشمس بعد الظهيرة، حين غرر ببنت صغيرة في حجرته الخلفية المعتمة.
Bilinmeyen sayfa