İslam Dünyasında Ünlü Kadınlar
شهيرات النساء في العالم الإسلامي
Türler
تجري الرياح بما لا تشتهي السفن
لقد قتله المماليك قبل أن يقتلهم، وتمرد عليه أولئك الذين هاجمهم في صور وأشكال من الشموع تحت إمرة «آق طاي» سفير مملكته إلى دمشق، كان توران شاه قد وعد «آق طاي» هذا بأن يوليه محافظا على الإسكندرية، ولكنه أخلف وعده معه فمال إلى الفتنة والعصيان.
في يوم الإثنين التاسع والعشرين من شهر محرم، تناول توران شاه طعامه مع الأمراء والحاشية في المضرب الخاص كالمعتاد، وبعد أن تركهم ودخل ردهة القصر ليستريح قليلا، هجم عليه أحد المماليك بسيف مشهور فرفع الملك يديه مغطيا وجهه فأصابه المملوك في أصابعه، وما كاد الضارب يرى ذلك حتى اضطربت أعصابه وسقط السيف من يده ولاذ بالفرار .
أغمي على الملك المعظم وتولاه الخوف لأول وهلة، ولكنه سرعان ما تمالك قوته وفكر في أمره فوجد أنه على أبواب الخطر وأنه لا أمان لحياته فيما إذا أقام في القصر، فهرول نحو البرج ليعتصم به ورآه المماليك وهو يصعد قمة البرج فاحتاطوا به إحاطة السوار بالمعصم.
صاح الملك يطلب الأمان، ولكن لم يجد إنسانا يعطف عليه ويشفق على حاله في تلك الأزمة؛ فقد كان الأمراء والمماليك والشعب جميعا يبغضونه ويتمنون له الموت والهلاك، وهو في صياحه وندبه وإذا بالأمير حسام الدين يقترب نحو القصر على رأس كتيبة من فرسان المماليك، ولقد حاول سفير إمارة بغداد أن يمد إليه يد المعونة إذ ذاك فقامت عليه قيامة المماليك واضطروه إلى التزام جانب الحيدة والسكون، هاجت فارسكور وماجت بصنوف المماليك والأمراء وهجم الجميع على القصر يطلبون من توران شاه أن ينزل وإلا أحرقوا عليه البرج، فلم يبق له أمل في الخلاص غير أنه ظل يطلب منهم الأمان والرحمة مستغفرا عن سيئاته وآثامه، إلا أنهم استمروا في إصرارهم وتفثهم إلى أن أشعلوا النار فابتدأ اللهيب يتصاعد إلى عنان السماء، وقبل أن تصل ألسنة النيران إلى توران شاه ألقى بنفسه في النيل فرمت جموع كثيرة بنفسها وراءه وسدد الباقون على الشاطئ سهامهم نحوه وهو يعدو سباحة في الماء.
بدأ يغالب الأمواج وبدأ الناس يقتربون منه وينالون جسمه بأطراف سيوفهم وهو يناديهم بقوله: «دعوني أخرج من مصر، إنني لم أظلمكم إلى هذا الحد فتعذبوني على هذا الوجه.» فلم يسمع له قول لأن حب الانتقام كان قد استولى على النفوس، وكانت جموع كثيرة تطارده في النيل مدفوعة بهذا العامل حتى وصلوا إليه فقتلوه شر قتلة، فمات الملك المعظم توران شاه، الحلقة الأخيرة في سلسلة الأيوبيين، على هذا الوجه الغريب الذي أثار دهشة المؤرخين؛ محروقا مقتولا مغروقا مذموما من الناس مبغوضا من الرعية بعد أن حكم سبعين يوما.
استأنف الأمير حسام الدين مفاوضات الصلح مع الصليبيين عقب هذه الحادثة وأمضى عقد الصلح، وكان الصليبيون إذ ذاك في حالة سيئة؛ فجيوشهم مشتتة، ودمياط التي تحصنوا بها محاصرة، ونال الطاعون منهم فكان يفتك بجنودهم يوما بعد يوم يسوقهم إلى الخراب والدمار، فقبلوا الصلح وكانت شروطه في مصلحة المسلمين؛ إذ كانت تحتم على أهل الصليب بأن يدفعوا غرامة حربية قدرها أربعمائة ألف دينار.
وفي اليوم الثالث من شهر صفر عام 648 هجرية ترك ملك فرنسا ذلك الذي ساق مسلمي الأندلس كالأغنام، دار القاضي فخر الدين حيث كان سجينا وترك جنوده ثغر دمياط يسحبون أذيال الفشل والعار مبتعدين بسفنهم وفلول كتائبهم عن مصر على أمل العودة لتخليص بيت المقدس ووفاء النذر. أما الأمير حسام فقد أسرع مع جنوده وأمرائه إلى القاهرة، فاستقبلتهم البلاد بمظاهر الفرح والسرور؛ إذ اشتد حماس الشعب على أثر انعقاد الصلح وانكسار الصليبيين، فدخل عاصمة البلاد دخول القائد الظافر وتوجه من وقته إلى قصر النيل، وهناك أقاموا شجرة الدر بإجماع الآراء أميرة لهم تحت عنوان «الملكة عصمة الدين»، فتقلدت الحكم بحفلة زاهرة، كانت حدا فاصلا بين خاتمة الأيوبيين وبداية حكم المماليك.
الفصل الخامس
مثل الناس في هذا العالم الفاني مثل الضيوف في الفنادق الفخمة، أولئك الذين يتركون آثارهم في سجلاتها إبقاء للذكر، بفقرة جميلة، أو عبارة لطيفة، أو بذكر الاسم على حدة غفلا عن زخارف اللفظ أو تنميقات المعنى، كذلك الناس في دنياهم الفانية كل منهم يترك أثرا يتناسب مع كفاءته وما له من ميزة وقدرة تخليدا لذكرى الأوقات والأزمان التي يعيشها، وما هذا الأثر سوى حياته، فإما أن يدل على عيش هنيء مرفه وإما أن يعبر عن سلسلة من الحوادث المؤثرة، وإما أن يحدثنا عن عصر حافل بجليل الأعمال، وإذا وصل الأثر إلى مثل هذا الحد من الكمال، كان جديرا بعناية الخلف، يستظهرون منه دروس العظة والاعتبار.
Bilinmeyen sayfa