İslam Dünyasında Ünlü Kadınlar
شهيرات النساء في العالم الإسلامي
Türler
4
لقد وسم الأمير فخر الدين بقراره وتقهقره هذا جيوش المسلمين بوصمة العار، وأضاع على المسلمين أقواتا كثيرة وأموالا جمة ونفوسا زكية، وقد وجه الملك الصالح همته بعد ذلك إلى تحصين المنصورة وما بجوارها من القرى والدساكر ولكنه لم ينس ضياع دمياط، فكان لا يكل عن تجزية الذين تسببوا في الهزيمة كان يبذل دموع القلب أسى وحزنا كلما اختلجت في نفسه حادثة تلك الخيانة، ثم تمرد أتباع الأمراء الذين نالهم العقاب وحاولوا العصيان والوقوف في وجهه، إلا أن الأمير فخر الدين تمكن من إسكاتهم وإقناعهم موضحا لهم مرض الملك الصالح وقرب دنو الأجل من أمير البلاد، كان الأمير فخر الدين مستحقا للعقاب والجزاء؛ إذ كان أس البلاء في حادثة الانهزام، ولكنه تملص من العقاب بسهولة ولم يصبه أذى ... لم يشتبك الفريقان عقب سقوط دمياط في معارك حاسمة، بل كان الحرب بينهما سجالا، يتصادمان في مواقع صغيرة، وكان عدد الأسرى من الصليبيين يتزايد ويتكاثر يوما بعد يوم، وكان كلما تجمع نفر منهم أرسلوهم إلى القاهرة وبدأ المسلمون يستردون قواهم ويجمعون شتاتهم شيئا فشيئا وقد أحرزوا فوزا في بعض المعارك، فقوي فيهم الأمل ودب في نفوسهم النشاط إلى الاستعداد لمعركة حاسمة يطحنون فيها جيوش أعدائهم وهم على مثل هذا الحال من الأمل والثقة، وإذا بالملك الصالح تشتد عليه وطأة المرض في ليلة الأحد من اليوم الرابع عشر من شهر شعبان، وما أشرقت الشمس في اليوم التالي على حقول المنصورة التي تزين ضفتي النيل حتى كانت روح الملك بعيدة عن هذا العالم الفاني، بالغا من العمر أربعين عاما، لقد كتموا خبر موته؛ حذر القلاقل وخشية اضطراب الجيش فنقلوا جثته سرا في تابوت من المنصورة إلى قصر المنيل، حيث كانت تسكن شجرة الدر ودفن في قلعة الروضة، لم يعلم نبأ الوفاة سوى شجرة الدر وبضعة أفراد من المقربين المخلصين؛ إذ كانت الأميرة تخاف من إثارة الفتن والقلاقل، فأرسلت إلى رئيس الأغوات وإلى قائد الجيوش فخر الدين تطلبهما وأخبرتهما بما وقع وسردت لهما الأسباب التي حدت بها إلى كتمان الأمر، فاستصوبا رأيها وأقراها على ما فعلت، ثم قرر الثلاثة في تلك الجلسة أن يرسلوا «آق طاي» أحد أمراء الجيش إلى الملك المعظم توران شاه ابن الملك الصالح وولي عهد السلطنة المقيم في «حصن كيفا» لإحضاره في الحال، وبعد أن أتمت الأميرة هذا الأمر أذاعت بعض الأوامر والمنشورات على الشعب وأخذت المواثيق والعهود على رجال الجيش بأن يطيعوا الملك الصالح ويقيموا على عهد الملك المعظم توران شاه بعده، وقد كتبت الأوامر بخط رجل من حاشية البلاط يدعى سهيلا؛ إذ كان خطه شبيها بخط الملك، وكما كان أسلوب الأوامر موافقا لأسلوب الملك نفسه حتى إنه لم يشك أحد في أنها صادرة من الملك، ومن هذه الأوامر أن يقرن اسم ولي العهد «توران شاه» باسم الملك في خطب الجمعة وأن تضرب النقود باسمه، وكانت الأطباء أثناء ذلك تتردد على المنصورة تغريرا بالناس وإيهاما لهم بوجود الملك على قيد الحياة، وكانوا يتكتمون خبر موته ويذيعون عنه أنه في شدة المرض، غير أن الخبر اتصل ببعض الجواسيس فنقله إلى الصليبيين الذين أقامتهم الحادثة وأقعدتهم وجعلتهم يتهيئون لغزوة كبرى.
أعد لويس عدته لمهاجمة المنصورة وتحرك إليها بجميع جيشه، فالتحم الجيشان في معركة خطيرة دامت طويلا، وتلف عدد كبير من الطرفين، وكان ضرر الأعداء أشد وأخطر حيث مات ووقع في الأسر منهم عدد كبير، وقد استشهد قائد المسلمين في هذه المعركة، فظلت الجنود الإسلامية تقاوم مضطربة بلا رأس يحركها، وأيقن المصريون بما يهددهم من الخطر، وشعر مماليك الملك الصالح بالنتيجة المؤلمة التي تنتظرهم إذا استولى الصليبيون على البلاد، فقاموا جميعا قومة رجل واحد للذود عن وطنهم، هؤلاء هم المماليك البحرية، وقد أطلق عليهم هذا الاسم لإقامتهم بالمنيل، فترأس الجيش أحدهم وهو «بايبورس»، فجمع شتات الجيش وحمل على الصليبيين حملة بددت جموعهم وكسرتهم شر كسرة، ففرحت مصر والمنصورة بهذا الفوز المبين وأقيمت الأفراح وازينت الأسواق وتليت الدعوات شكرا للمولى على ما تولاهم من جميل فضله وإحسانه، ثم وصل توران شاه عقب هذا الانتصار، فأعلن وفاة الملك الصالح وعين ابنه خلفا له، أما شجرة الدر التي تمكنت بمهارتها ودهائها من كتمان الخبر إلى حين حضور ولي العهد وجهت اهتمامها إلى إقامة المآتم حدادا على زوجها تاركة مقاليد الحكم في يد توران شاه.
الفصل الرابع
ما كاد توران شاه يستلم زمام الحكم حتى بدأ يهاجم الصليبيين أملا في الخوض معهم معركة حاسمة، ولقد بذل كل ما في وسعه لإخراجهم وطردهم من الديار المصرية.
كان معسكر الصليبيين في دمياط، ولكن معظم جنودهم كانت مقيمة عند ضواحي المنصورة وأشمون، فخط توران شاه خطة حربية تؤدي إلى التفاف جيشه حول الصليبيين، وما كادت فكرته تتكلل بالنجاح حتى كان جيش الأعداء محصورا وتحت قبضته.
المحمل المصري، البدعة الحسنة التي سنتها الملكة عصمة الدين «شجرة الدر».
أما الصليبيون الذين حوصروا بجيوش المسلمين من جميع أطرافهم فقد وقفوا في وهاد اليأس وانقطعت الأمداد والذخائر عنهم فباتوا في حيرة من أمرهم، ثم اشتد كربهم عندما انتصر «توران شاه» على بحريتهم في النيل وأغرق نحو خمسين من سفنهم، أصبح الصليبيون وقد انقطعت مواصلاتهم في ضيق واضطراب عظيمين، وكان «توران شاه» يرجو من وراء اضطرابهم هذا أن يقضي عليهم القضاء المبرم في مدة وجيزة، أما الجيوش الإسلامية الذين دبت روح الجرأة بين صفوفهم عقب الانتصارات الباهرة فإنهم حملوا على أعدائهم حملة منكرة، مدفوعين بقوة الإيمان ثملين بخمرة الفوز، فشقوا صفوفهم وانهالوا عليهم يكيلون لهم ألوان الضرب والقتل حتى بددوهم وفرقوا وحدتهم شر ممزق.
دحر الصليبيون ولاذوا بالفرار، مسرعين مهرولين في طريق دمياط، ونسوا وهم مرتبكون مشتتون رفع أحد الجسور الموضوعة على النيل عند مقربة من أشمون، فتعقب المسلمون أثرهم حتى نقطة قريبة من دمياط، حيث وصل لويس وحاشيته إلى تل صغير فصعدوه، وما كاد المسلمون يبدءون في محاصرتهم والالتفاف حول التل الذي اعتصموا به حتى طلب ملك فرنسا الأمان وسلم نفسه مع رجال حاشيته وخمسماية نفر من جنوده. •••
وقد وعد أثناء وقوعه في الأسر بأن يسلم دمياط مقابل أن يترك المسلمون له بيت المقدس، فلم يعبأ أحد بقوله بل ساقوه إلى المنصورة ووضعوه أسيرا في دار القاضي فخر الدين.
Bilinmeyen sayfa