İslam Dünyasında Ünlü Kadınlar
شهيرات النساء في العالم الإسلامي
Türler
أيتها البشرية، لم تستطع الأجيال أن تغير تأثير غرائزك الموروثة، ولم تستطع العصور المتقادمة أن تعدل تربيتك الروحية والفكرية، كان الرشيد يعتبر الساعات التي يقضيها بجانب وزيره من ألذ أوقات عمره وأشهاها، كان لا يصبر عنه لحظة واحدة ويستفيد من ذكائه وعرفانه ويتنازل لقبول مشورته وآرائه، ومع ذلك أظهر التردد والخوف أمام علمائه وفقهائه الذين أجازوا اختلاطه بأفراد عائلته معلنا لهم أنه مملوك فارسي.
أصل جعفر وأرومته هو نقصه الوحيد، ما ولقد أثبت الرشيد بأن المروءة والشهامة وأدب النفس مزايا إنسانية لا تشفع للمرء في جميع أطوار حياته، فقد استنكف أولا مما عرضه عليه علماؤه، لو أننا وصلنا إلى قرارة نفس الرشيد لعلمنا أنه كان راضيا عن أمر الزواج إلا أن غروره المتسلط على قلبه وقف حائلا بينه وبين الرضا بهذا الأمر، أما جعفر فقد كان مغلوبا على أمره أمام علم العباسة ومزاياها الروحية، فكان يزداد تعلقا بها وشغفا بنفسها رغم أوامر الخليفة، كانت العباسة حياة جعفر، يعبدها بروحه وجسمه حتى لقد أصبحت عيناه لا ترى نورا غير نور هذه النجمة التي سطعت في سماء حياته.
في هذه الآونة كانت العيون والجواسيس التي تأتمر بأمر زبيدة واقفة لحركات جعفر بالمرصاد في غدوه ورواحه إلى قصر العباسة، ويحملون إلى زبيدة حوادث تنزههما معا في حديقتهما، بين خمائل الورود والقرنفل، وكان الجواسيس لا يتكلفون عناء كبيرا في سبيل مأموريتهم؛ لأن جعفرا كان يمشي بملابسه السوداء شارة العباسيين، ويصل إلى القصر من طريق الشرفة المطلة على الدجلة جهارا عيانا دون تنكر إما ممتطيا صهوة جواده وإما راكبا زورقه.
كانت أخبار هذه الزيارات الليلية تصل أسماع زبيدة وابنها والفضل، فيعقدون مجلسا من مشايعيهم لتدبير مكيدة يوقعون جعفرا في حبائلها.
كان الفضل بن ربيع خادما صادقا للأمين، ذي المزاج المتلون، كان في مبدأ أمره حاجب الخلافة ويشغل الآن مركزا كبيرا، وكان يحسد جعفرا لمزاياه العالية ويطمح إلى الوصول للوزارة، فجعل يعمل على إسقاطه سرا ولا يرى فرصة فيها هلاك البرامكة إلا اقتنصها، كان يريد أن يقضي على الذين وقفوا حجر عثرة في سبيل آماله وأطماعه، فلم يقعد يوما عن سبيل فيه إيذاء جعفر وقد أسعفته الأقدار بما كان يبحث عنه، خرج يحيى بن عبد الله العلوي على الرشيد فاغتم الرشيد لذلك وندب إليه الفضل بن يحيى، فذهب إليه الفضل وحاصره، فمال يحيى إلى الصلح وطلب أمانا بخط الرشيد، فأجابه الرشيد إلى ذلك وسر به وكتب له أمانا، فقدم يحيى مع الفضل فلقيه الرشيد أول الأمر بكل ما أحب ثم أمر بحبسه بعد ذلك، فما سمع الطالبي ذلك حتى أسرع إلى جعفر قائلا: قد كتبت لنا أمانا فحضرنا إليك فإذا أنت أمرت بإبقائي في السجن عرضت نفسك لقهر الله وغضبه.
وعلى أثر ذلك أطلق جعفر سبيله فاغتنم أعداؤه هذه الفرصة ونقلوا الحادثة إلى الرشيد.
الفصل الخامس
كان الرشيد حانقا غاضبا بعد تلك الحادثة، وأخذت مكانة جعفر تتضاءل في نفسه شيئا فشيئا وكأني به وقد اختلى بغرفته على أثر سماع هذا النبأ وأوصى مسرورا السياف بأن يمنع كائنا من كان من الدخول عليه، يقول في سره: ما هذه الجرأة كيف يستطيع جعفر أن يعصي لي أمرا وأنا الخليفة صاحب النهي والأمر، إنه قد وصل من استبداده إلى حد لا يمكن السكوت عنده، وكأني به وقد حادث نفسه بمثل هذه الأقوال يشرف من نافذة غرفته، محاولا تسلية نفسه بزئير الأسود المحجوزة في أقفاصها الحديدية بحديقة القصر.
بلى، هذا ما حدث، فإن التاريخ نقل إلينا أنه نزل بعد سماعه هذا النبأ إلى حديقته، حيث أقفاص الليوث وهنا طلب من الحارس أن يحضر له رضيعا مذبوحا من الغنم.
أخذ قطعة صغيرة ورماها إلى أعز الليوث عنده فالتهمها في الحال، وقف بعد ذلك ينتظر أن يلقي إليه الباقي، انتظر كثيرا ولكن عبثا؛ لأن الخليفة أمر الحارس بأن يمنع عنه الباقي، عيل صبر الأسد وكان يزأر من حين لآخر كأنما يطلب بلسان الحال فريسته، وقف الرشيد يتأمل طويلا هذا المنظر ويقارن بين حالة الأسد وحالته الروحية، وكأني به الآن وقد امتزجت نفسيته بنفسية الأسد مشفقا عليه، ونادما على منع الفريسة عنه، وكأني به وهو ينظر إلى الحارس شذرا ويلومه لأنه ينفذ في صديقه الأسد هذا الأمر القاسي، يجد في الأسد شبيها به وبالحارس مثيلا لجعفر عدوه الآن.
Bilinmeyen sayfa