İslam Dünyasında Ünlü Kadınlar
شهيرات النساء في العالم الإسلامي
Türler
وبينما كانت ذات يوم تهرول مسرعة مجتازة أزقة البصرة رماها أحد المارة بنظرة منكرة، فأرادت أن تعرض عنه ملفتة وجهها فزلت قدماها فسقطت على الأرض فانكسر ذراعها، لم تقو على النهوض من مكانها فظلت مغشيا عليها مدة لشدة ما أصابها من الألم، وعندما رجعت إلى صوابها رفعت نظرها خاشعة إلى السماء تناجي ربها: «رباه، قد انكسر ذراعي، وأنا أعاني الألم واليتم، وسوف أتحمل كل ذلك وأصبر عليه، ولكن عذابا أشد من هذا العذاب يؤلم روحي ويفكك أوصال الصبر في نفسي، منشؤه ريب يدور بخلدي، وهل أنت راض عني يا إلهي؟ هذا ما أتوق إلى معرفته.» وما كادت تتم نجواها حتى سمعت هاتفا يقول: لك يا رابعة عند الله مرتبة تغبطك الملائكة من أجلها،
3
فنسيت بعد ذلك ما اعتراها من الآلام وقفلت راجعة إلى دار سيدها آمنة مطمئنة.
لم ينم سيدها ذات ليلة فسمع صوتا يرن في أرجاء داره فخرج من غرفته يتلمس مبعث الصوت حتى قادته أذناه إلى غرفة رابعة حيث رأى ما أدهشه وحير لبه، رأى رابعة تعبد ربها بخشوع ينم عن إيمان عميق فوقف يراقبها ويسمع مناجاتها وإذا بها تقول: «ربي إنك تعلم أن أشد ما أتوق إليه هو عبادتك وتأدية ما لك من حقوق، ولكنني أسيرة لا أملك حريتي الشخصية فلا سبيل إلى تحقيق هذه الغاية فلتعذرني يا إلهي.»
فبهت سيدها ووجد من العار إبقاء فتاة طاهرة عفيفة كرابعة تحت ذل الأسر، فلما مثلت أمامه في اليوم التالي قال لها: «أنت حرة طليقة يا رابعة، ولك الخيار في أن تمكثي هنا أو تذهبي إلى حيث تشائين.» فآثرت هي أن تترك دار مولاها لتعيش من كسب يدها، ومنذ ذلك اليوم أصبحت حياتها درسا ممتعا وعظة بالغة؛ إذ وقفت حياتها على أعمال البر والخير، واضعة نصب عينها الدستور النبوي الجليل: «اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا.» فأمضت الثمانين عاما التي عمرتها لم تخل بحرف من هذا الحديث الشريف؛ إذ كانت ترى لذة في تضحية راحتها الدنيوية في سبيل سعادتها الخالدة .
تجاذبت ذات يوم أطراف الحديث مع أحد مشاهير الصوفيين، فشكا إليها دنياه الفانية فلم تطق احتمالا لشكواه فأجابته: «إنك يا هذا تكثر ذكر الدنيا وترددها على لسانك، فأنت مفتون بها مشغول بمحاسنها؛ إذ إن الرجل كثيرا ما يذكر ويفكر في المتاع الذي يريد أن يستحوذه، فلو أنك قطعت كل صلة بدنياك لما ذكرت شيئا من محاسنها أو مساويها.» ومن غرائب رابعة أنها كانت ترد كل ما يعطيها الناس
4
وتقول: «ما لي بالدنيا حاجة.» وقد مرضت ذات يوم فلزمت فراشها ولما عادها حسن البصري مستفسرا عنها وجد أمام بابها تاجرا يبكي فسأله متحيرا: ما بك ولم تبكي؟ فأجاب: أحضرت كيسا من الذهب لرابعة وإنني مضطرب لا أدري أتقبله أم ترفضه؟ فادخل بالله وأنقذني من هذا الاضطراب، فدخل حسن البصري، ونقل إليها ما كان من أمر التاجر، فأجابت: «ألا تعلم يا حسن أن الله يرزق حتى عباده الذين هم عنه لاهون، فما بالك بمن يكن في سويداء قلبه محبة يقف دونها الحصر لفاطر السموات - عز وجل - إنني يا حسن لم أتوجه إلى غير الله منذ اليوم الذي أدركت فيه قدرته الإلهية، كيف أستطيع قبول هدية هذا التاجر وأنا لا أعلم هل اكتسب ماله من حلال أو من حرام،
5
فمحال علي قبولها، فاذهب إليه واشكره مع تقديم عذري له.
Bilinmeyen sayfa