فتأوه قائلا: لم يبق لنا إلا الهزل، نحن بنو العصر الحجري، ولكنك بدل أن تهزل جننت بحب اليأس.
فتراجعت وأنا أقول: ألم تدرك أنني ميت الحواس؟
فهز منكبيه استهانة، وتسلق شجرة سرو حتى بدا أعلى من البدر الصاعد فوق الأفق، وراح يحرك يده بجرس ذي رنين شديد حتى زحفت من الحشرات أنواع شتى، ومضت ترقص حول الشجرة في ضوء القمر. والتمعت صلعته تحت ضوء القمر.
وتنهدت في إعياء، وفتحت عيني في الظلام. ماذا يعني الحلم إلا أنني لم أبرأ بعد من نداء الحياة؟ وكيف أفكر فيك طيلة يقظتي، ثم تعبث بمنامي الأهواء؟ •••
وأمس جلت بأنحاء الحديقة مرددا شعر المجنون. وعندما بلغت السور الشمالي الذي ترى وراءه الترعة، هزني صوت حلقي وهو يصيح: أين الباب يا رجل؟
عثمان يعتلي دراجة بخارية مزركشة العجلة والمقود بالأعلام الصغيرة على طريقة أهل البلد في الأعياد. وقلت له دون مجاملة: لا تدخل.
فهتف: ألم تدر بالمعجزة؟ ... لقد عبرت سطح الترعة بالدراجة. - لا أومن بالمعجزات.
فضحك عاليا، وهو يقول: لكننا في عصر المعجزات.
تراجعت خطوة وأنا أسأله: ماذا تريد؟
فقال بجدية وجلال: جئتك موفدا من الأسرة. - لا أسرة لي. - ألم تدر بالمعجزة؟ لقد ظهر لأسرتك فروع جديدة في القارات الخمس، أفلا تود أن ترجع إلى ذلك المزيج العجيب من البلاتين والفحم؟
Bilinmeyen sayfa