مستسقيا مطرت علي مصائبا
ثم زفر وقال: نعم يا أبا الطيب، لقد قسا عليك القدر، فأنشأك في أسرة خاملة النسب، تجاهد بجدع الأنف أن ينساها الناس، وأن ينسوا اتصالك بها، وليس لك غير عزمك وسيفك وشعرك من عشير أو قبيل. فأين أنت من المطالب العظام والمقاصد الجسام؟. نعم. لقد قسا عليك القدر، فخلق لك نفسا شامخا تواقة غلابة طماحة إلى الملك، ولم يخلق لك من آلات العظمة والملك ما يصل بك إلى أدنى هذه الغايات. هذا هو دأب القدر دائما، يضع السيف في يد من لا يستطيع حمله، ويهب المال لمن لا يحسن تدبيره، ويكيل الحمد والثناء لمن لا يفهم معنى الحمد والثناء.
جلس المتنبي أمام منضدته، ومد يده إلى القلم، وأطرق طويلا يفكر في ابتداء القصيدة، فجال بخاطره أن يقول:
نقل الواشي حديثا فكذب
كن مجيري منه يا خير العرب
ولكنه هز رأسه هزا عنيفا، وقال: لا. لا. هذا مطلع يدل على ضعف نفسي، واهتمامي بالوشاة. ثم إن تسمية سيف الدولة في أول القصيدة بخير العرب إغراق فاضح، وسرف في المديح لا يصح أن يعطى في جرعة واحدة، وعدل عن هذا المطلع، وأخذ يفكر في مطلع آخر؛ فعرض له أن يقول:
غال بعض الحب عذل العاذل
ومضى الباقي بمطل الماطل
غير أنه مد شفته السفلى استنكارا، وقال: لا. لن يصلح هذا مطلعا فإن فيه إيغالا في القطيعة، ومصارحة بالجفاء، وإذا اغتال العذل بعض الحب، وذهب مطل الحبيب بباقيه، فماذا يبقى منه للرجل؟ وماذا أرجو عنده بعد أن كاشفته بانقطاع حبل الود بيننا؟ ثم فكر قليلا، وصاح في اهتمام: لقد وجدت المطلع، لقد وجدته. هذا هو:
واحر قلباه ممن قلبه شبم
Bilinmeyen sayfa