جلسات رمضانية للعثيمين
جلسات رمضانية للعثيمين
Türler
استغلال شهر رمضان للتزود من الأعمال الصالحة
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونؤمن به ونتوكل عليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِ الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أرسله الله تعالى بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، فبلَّغ النبي ﷺ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وأظهره الله تعالى على ما سواه، حتى ملكت هذه الأمة مشارق الأرض ومغاربها، وهذا من نعمة الله ﷿، فصلوات الله وسلامه على محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: أيها الإخوة الكرام: فإن الذي نصر أوَّل هذه الأمة، وأظهر دينها على جميع الأديان، ودك به صروح كسرى وقيصر وغيرهم من أئمة الكفر، قادر على أن ينصر آخر هذه الأمة؛ لأن سنة الله تعالى في عباده واحدة، ولكن الناس إذا أضاعوا أمر الله أضاعهم الله، وإذا نسوا الله نسيهم الله، وإلا فلو رجعنا رجوعًا حقيقيًا إلى ربنا ﷿ لوجدنا النصر والكرامة والعزة، ولكن مع الأسف الشديد أن كثيرًا من المسلمين أضاعوا أمر الله فأضاعهم الله ﷿.
أيها الإخوة الكرام: إن الإنسان في هذه الحياة الدنيا لن يعمَّر، ولن يبقى، فهو موجود من العدم، وصائر إلى العدم، وإن الساعات التي تمر بالإنسان في هذه الدنيا كأنها لحظات، بل هي لحظات: لحظة تتلوها لحظة، وهكذا إلى أن يصل الإنسان إلى آخر نهايته، وهذا أمر يشعر به كل واحدٍ منا.
لقد مضى على رمضان العام الماضي اثنا عشر شهرًا برمضان، يعني: بعد رمضان أحد عشر شهرًا كلها مضت، ومع ذلك فكأنها أحد عشر ساعة، كأننا بالأمس القريب نصلي رمضان عام (١٤٠٩هـ)، والآن نصلي عام (١٤١٠هـ)، وما هي إلا لحظات زالت، وهكذا أيضًا ما بقي من أعمارنا سوف يزول بهذه السرعة، إذًا فالواجب علينا -أيها الإخوة- أن ننتهز هذه الفرصة، أن ننتهز فرصة وجودنا في الدنيا حتى نعمل للآخرة، والعجب أن الذي يعمل للآخرة ينال الدنيا والآخرة، والذي يعمل للدنيا يخسر الدنيا والآخرة، لا أقول ذلك من عند نفسي ولكني أقول ذلك بكتاب الله، قال الله ﷿: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النحل:٩٧] الحياة الطيبة الدنيا ﴿وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النحل:٩٧] في الآخرة.
أما عكس ذلك فاستمع: ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا * أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا﴾ [الكهف:١٠٣-١٠٥] .
أيها الإخوة الكرام: إذا علمنا هاتين الحقيقتين، وهما: أولًا: سرعة الدنيا وزوالها، وأنها تمضي لحظة بعد أخرى، حتى يأتي الإنسان الموت، وعلمنا أيضًا أن الكاسب والرابح هو المؤمن، وأن من لم يكن مؤمنًا عاملًا بالصالحات فهو خاسر، استدللنا لذلك بالواقع وبكتاب الله ﷿، فإنه جدير بنا أن ننتهز فرصة وجودنا في هذه الدنيا لأننا لابد أن ننتقل، لابد أن نُذكر كما كنا نَذكر غيرنا، الذين كانوا من قبلنا وأدركناهم، كانوا يتحدثون كما نتحدث، ويخبرون كما نخبر، وأصبحوا الآن خبرًا من الأخبار.
بينا يرى الإنسان فيها مخبرًا حتى يرى خبرًا من الأخبار
هو في الأول مخبر ويكون خبرًا يخبر عنه: فلان ﵀، هذا هو الحقيقة.
إذًا فلننتهز -يا إخواني- هذه الفرصة لا سيما في المواسم، مواسم الخيرات التي جعلها الله لعباده، كالأسواق التجارية بل هي التجارة حقيقة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [الصف:١٠-١١] .
علينا أن ننتهز هذه الفرصة، رمضان متى يأتي؟ ربما يموت الإنسان قبل أن يدركه رمضان الثاني، كما تعلمون أن هناك أناسًا كانوا معكم في العام الماضي الآن هم في قبورهم مرتهنون بأعمالهم، لا يملكون أن يزيدوا حسنة في حسناتهم ولا أن ينقصوا سيئة من سيئاتهم، هذا الذي مر عليهم ربما يمر عليك، بل قطعًا سيمر عليك، لكن ربما يمر عليك قبل أن يعود إليك رمضان، إذًا: فانتهز الفرصة! ونحن الليلة في الليلة الثالثة من رمضان انظروا سرعة ذهابه، يعني: مضى منه يومان كاملان، ونحن الليلة في الليلة الثالثة، وسيمر سريعًا فلننتهز هذه الفرصة.
1 / 2