معاذ بن جبل والدعوة إلى الله
يخرج النبي ﷺ بنفسه مع معاذ بن جبل، ويمشي النبي ﷺ بجانب راحلته، ومعاذ راكب ويوصيه ويبذل له الوصايا التي تتناثر من فيه كحبات اللؤلؤ، بأبي هو وأمي ﷺ، ليرسم له الطريق، ويحدد له المنهج للدعوة الصحيحة التي ينبغي أن يسير على منوالها كل داعية صدوق، والحديث رواه البخاري ومسلم وغيرهما فيقول له: (يا معاذ! إنك تأتي قومًا أهل كتاب؛ فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله جل وعلا قد فرض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوا لك بذلك، فإياك وكرائم أموالهم، واتقِ دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب) .
ويمضي البطل، ويمضي الفقيه الشاب بهذه الوصايا الغالية في قلبه وفؤاده وعقله وبين جوانحه ليسير عليها ولا يحيد عنها قيد أنملة، لأنها وصايا وتعاليم أستاذه ومعلمه ﷺ، ويودع النبي ﷺ وداعًا مؤثرًا لماذا؟ لأن النبي ﷺ مشى طويلًا مع معاذ وكأني والله أحس أن النبي ﷺ إنما أراد أن يملأ عينه من معاذ، فطال النبي ﷺ في مشيه مع معاذ، وأخيرًا نظر إليه وقال: (يا معاذ! عسى أن لا تلقاني بعد عامي هذا، ولعلك أن تمر بمسجدي وقبري) وانفجرت الدمعات وانحدرت على وجنتي معاذ كحبات لؤلؤ، بكى ﵁، يخبره أستاذه وحبيبه بأنه قد لا تكتحل عينه بعد اليوم برسول الله ﷺ، ويبكي معاذ بل ويبكي بكاءً طويلًا، ويأمره النبي ﷺ أن يكف عن البكاء، وإيه والله بأبي هو وأمي، انطلق معاذ بن جبل وما عاد إلى المدينة إلا بعد أن مات الحبيب ﷺ: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾ [النجم:٣-٤] .
3 / 7