169

اختيارات القاضي أبي يعلى الحنبلي الفقهية من أول كتاب الطهارة إلى آخر باب التيمم

اختيارات القاضي أبي يعلى الحنبلي الفقهية من أول كتاب الطهارة إلى آخر باب التيمم

Türler

الدليل الثالث: من السنَّة ما ثبت عن عبد الله بن زيد أن رجلًا (^١) قال له: أتستطيع أن تريني كيف كان رسول الله ﷺ يتوضأ؟ فقال عبد الله بن زيد: نعم ... فذكر الحديث إلى أن قال: "ثم مسح رأسه بيده فأقبل بهما وأدبر، بدأ بمقدم رأسه حتى ذهب بهما إلى قفاه ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه ثم غسل رجليه" (^٢). فقالوا: هذا دليل على أنه ﷺ كان يعمم المسح على رأسه كله؛ لأن عبد الله بن زيد قال في آخر الحديث: (هكذا كان وضوء رسول الله ﷺ). الترجيح: بعد عرض قولي العلماء في هذه المسالة وأدلتهم في ذلك يتبيَّن عندي -والله أعلم- أن القول الراجح في هذه المسألة: القول الثاني القائل بأنه يجب مسح جميع الرأس، ولا يجزئ مسح بعضه للأسباب الآتية: أولًا: قوة أدلتهم وضعف أدلة المخالفين، "فالباء" في قوله تعالى: ﴿وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ﴾ الراجح أنها ليست للتبعيض، فهي إما أن تكون زائدة مؤكدة ليست للتبعيض، والمعنى "امسحوا رؤوسكم، أو تكون للإلصاق (^٣) ثانيًا: إن في حديث عبد الله بن زيد بن عاصم الأنصاري ما يدفع هذا الإشكال فهو ﵁ وصف وضوء النبي ﷺ الذي جاء فيه: " ... ثم مسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر بمقدم رأسه حتى ذهب بهما إلى قفاه؛ ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه ... " الحديث، خصوصًا وأنه ورد عند مسلم: هكذا كان وضوء رسول الله ﷺ، فهذا الحديث ثابت صحيح يدل على أنه ﷺ مسح على جميع رأسه، فهذا هو المجزئ دون غيره إذا عرفنا أن الأحاديث التي استدل بها المخالف على جواز مسح بعض الرأس إما أنها لا تدل على محل النزاع أو أنها ضعيفة لا تقارن بهذا الحديث. ثالثًا: إن مسح جميع الرأس فيه خروج من الخلاف والخروج من الخلاف مستحب، وقد نص بعض أهل العلم على أن استيعاب الرأس بالمسح أحد فروع هذه القاعدة (^٤).

(^١) الرجل هو: عمرو بن أبي حسن. انظر: فتح الباري (١/ ٢٩٠). (^٢) أخرجه البخاري في كتاب الوضوء، باب مسح الرأس كله ١/ ٥٤ - ٥٥؛ وأخرجه مسلم بلفظ مقارب في كتاب الطهارة، باب في وضوء النبي ﷺ حديث رقم ١/ ٢١٠. (^٣) انظر: الجامع لأحكام القرآن (٦/ ٨٧)،تيسير الكريم الرحمن للسعدي (٢/ ٢٥١). (^٤) انظر: الأشباه والنظائر في قواعد وفروع فقه الشافعية ١/ ١٣٦.

1 / 169