188

Secularism: Its Rise and Development

العلمانية - نشأتها وتطورها

Yayıncı

دار الهجرة

Türler

وإنه لمن المدهش حقًا أن يرى الإنسان الكثير ممن يسمون علماء، يعتقدون أن الكون بدقته المذهلة وعظمته الهائلة وجد صدفة واعتباطًا «ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ» [ص:٢٧]. هذا على المستوى النظري، أما على مستوى الحياة الواقعية فقد كانت النتائج مروعة، إذ تزعزعت قيمة الحياة لدى الناس -لا سيما- ذوى الإحساس المرهف، واستبد بهم شعور يائس بالقنوط والضياع، وظهرت في أوروبا أجيال حائرة مضطربة لا تطمح إلى غاية ولا تفكر في هدف، وخيم الخواء الروحي على المثقفين بصفة خاصة، وأصبح شغلهم الشاغل هو البحث عن الذات المفقودة واستكناه أسرار النفس، وذلك هو المناخ الخصب الذي استغله اليهود لبذر نظرياتهم الهدامة، فجاء (فرويد) بالتحليل النفسي، و(برجسون) بالروحية، و(سارتر) بالوجودية. يقول الفيلسوف (جود) تحت عنوان تفاهة الحياة: (إذا كان الماديون على حق فلا ينبغي أن نعتبر الحياة شيئًا مهمًا في صميم الكون، نتخذه أساسًا لتفسير سائر الموجودات الأخرى، بل أنها لا تعدو أن تكون حصيلة ثانوية قذف بها سير التطور مصادفة واتفاقًا، أو هي تحوير عرضي للمادة أصبحت بموجبه تملك الشعور بذاتها) (١). ولقد تجلى الشعور بتفاهة الحياة أكثر ما تجلى في الأدب الأوروبي، حيث تلمح الإحساس بالضياع هو السمة العامة للمدارس الأدبية التي ظهرت عقب الحرب العالمية الأولى بصفة خاصة. وهذا الشعور الناجم عن فقدان الإيمان هو العلة الحقيقية

(١) منازع الفكر الحديث (٤٠).

1 / 195