أسرار البلاغة - ت محمود شاكر
أسرار البلاغة - ت محمود شاكر
Yayıncı
مطبعة المدني بالقاهرة
Yayın Yeri
دار المدني بجدة
Türler
عليك اللفظةَ كأنه يخدعُك عن الفائدة وقد أعطاها، ويوهمك كأنه لم يَزِدْك وقد أحسن الزيادة ووفَّاها، فبهذه السريرة صار التجنيس - وخصوصًا المستوفَى منه المُتَّفَقَ في الصورة - من حُلَى الشّعر، ومذكورًا في أقسام البديع.
فقد تبين لك أن ما يُعطي التجنيس من الفضيلة، أمرٌ لم يتمَّ إلا بنُصْرةِ المعنى، إذ لو كان باللفظ وَحْدَهُ لما كان فيه مستحسنٌ، ولما وُجد فيه معيبٌ مُسْتهجَن، ولذلك ذُمَّ الاستكثار منه والوَلُوعُ به، وذلك أن المعاني لا تَدِين في كل موضع لما يَجْذبها التجنيس إليه، إذ الألفاظ خَدَمُ المعاني والمُصرَّفةُ في حكمها، وكانت المعاني هي المالكة سياستهَا، المستحقَّةَ طاعتها، فمن نَصَرَ اللفظ على المعنى كان كمن أزال الشيء عن جِهَته، وأحاله عن طبيعته، وذلك مظنّة الاستكراه، وفيه فَتْح أبواب العيب، والتَّعرُّضُ للشَّيْن، ولهذه الحالة كان كلامُ المتقدِّمين الذين تركوا فَضْل العناية بالسجع، ولَزِموا سجِيَّةَ الطبع، أمكنَ في العقول، وأَبْعَد من القَلَقِ، وأَوضحَ للمراد، وأفضل عند ذوي التَّحصيِل، وأسلمَ من التفاوتِ، وأَكْشَفَ عن الأغراض، وأَنْصَرَ للجهة التي تَنحو نَحْوَ العقل، وأَبعدَ من التَّعمُّلِ الذي هو ضربٌ من الخِداعِ بالتزويق، والرضَى بأن تَقَع النقيصةُ في نفس الصُّورة، وإنّ الخِلْقَةَ،
1 / 8