ثم قام وفتح خزانة، أخرج منها صرة بها خمسمائة دينار، فناولها عمارة، وقال: متى الظعن؟؟ - كما تأمر يا سيدي. - بعد ثلاثة أيام ... اكتب عن لساني كتابين: أحدهما للفائز، والآخر لابن رزيك، يمتزج فيهما الاستعطاف بالعتاب، ويلتبس فيهما الاستجداء بالشمم والإباء.
أنت تعرف أبا محمد كيف تكتب مثل هذا ... عم مساء.
الفصل الخامس
وصل الحراني إلى القاهرة بعد أن أجهده السفر، ونال منه بعد الشقة، إلى ما كان ينتابه من أحزان على ابنه، وأحقاد على عمارة وأهله، وهو بين هؤلاء وأولئك مطرق الرأس دامع العين، يدركه الضعف فيرجع ويحوقل، ويثور به الغضب فيهز قبضته في عنف وقوة: لا ... لا ... لن أبكي بكاء النساء، ولن أستكين استكانة الإماء، وهذه اليد التي لم تخلق لهز السيوف، ولا للعب بالرماح، أعاضني الله بها عقلا يهزم الجحافل، ويدك المعاقل. ولأمر ما يقول المتنبي:
الرأي قبل شجاعة الشجعان
ولأمر ما يقول:
لولا العقول لكان أدنى ضيغم
أدنى إلى شرف من الإنسان
إن المستعين بالقوة يحارب بسلاح مكشوف، والمستعين بالعقل يحارب بسلاح خفي مستور، وصاحب القوة قد يزل فيهزم، وصاحب الحيلة إن أخطأ استطاع أن يتدارك خطأه بحيلة أخرى، وصاحب القوة يتقيه عدوه فلا ينال منه منالا، أما صاحب الحيلة فهو صديق عدوه، وموضع أمانته ومكان ثقته.
إن الله خلق الإنسان، ومنحه القدرة على التشكل، فهو يستطيع أن يكون أسدا، ويستطيع أن يكون ثعلبا، ويستطيع أن يكون ثعبانا، ويستطيع أن يكون ذبابة تطن وتطير، فلم لا نتشكل؟ ولم لا نقابل كل حالة بحيوان مما في أنفسنا؟ إن البله هم الذين لا يستطيعون أن يستروا غضبهم بالضحك، وحزنهم بالسرور، وكراهتهم بالبشاشة والتسليم، والعاقل هو الذي يستطيع أن يقف أمام المرآة، بعد أن يقطع الحبل بين وجهه وقلبه، ثم يصور ملامحه كما يشاء ويهوى.
Bilinmeyen sayfa