كانت أم الأبله قد أصبحت محظية لأحد الأفاقين من أصحاب ديكة المصارعة، يلعب على الجيتار بأصابع كأنها من الحجارة. وسقطت الأم ضحية لشعور هذا الرجل بالغيرة عليها ولرذائله العديدة الأخرى. وكان شقاؤها قصة لا نهاية لها: محظية لهذا النكرة، وشهيدة للطفل الذي أنجبته تحت التأثير «المباشر للقمر المتحول»، كما تقول القابلات مدعيات العلم بكل شيء؛ ففي غمرة آلام مخاضها، امتزج رأس طفلها الهائل الحجم - رأس كبير ذو قرنين كالقمر - بالأوجه المعروفة لجميع المرضى الآخرين في المستشفى، وتعبيرات الخوف والسخط، والفواق، والجزع، وقيء صاحب الديكة المخمور، ونتج عن ذلك كله مولودها الأبله.
وأحس الأبله بصوت تنروتها المنشاة وسط الرياح وأوراق الشجر، وجرى خلفها والدموع تملأ مقلتيه. ووجد راحة على صدر أمه. وامتصت أحضان تلك التي منحته الوجود آلام جراحه كأنها أوراق النشاف. يا له من ملجأ عميق لا يعكر صفوه شيء! يا له من حب جارف! يا زهرتي! يا زهرتاه! يا زهرتي الحبيبة! يا زهرتي الحبيبة!
وكان صاحب الديكة يصل إلى أعماق أذنه وهو يغني برفق:
لم لا ... لم لا ...
لم لا ... يا حبيبي الصغير.
أنا الديك الصغير ...
ولما أرفع قدمي يا صغيري.
أجرجر جناحي يا صغيري!
ورفع الأبله رأسه وقال دون أن يتكلم: إني آسف يا أمي ، إني آسف!
ورد الطيف الذي مسح بيده على وجهه في حنان على شكواه قائلا: إني آسفة يا بني، إني آسفة!
Bilinmeyen sayfa