135

Sayyid Rais

السيد الرئيس

Türler

وكانا يذهبان أحيانا في تلك الأيام للاستحمام. وكانت ظلال الأشجار ترقط القمصان البيضاء التي يرتديها الباعة الجوالون، الذين يحملون الأوعية الفخارية، والمكانس، وطيور الزينة في أقفاصهما الخيزرانية، وأكواز الصنوبر، والفحم، وأخشاب التدفئة، والذرة. كانوا يتنقلون في مجموعات تغطي ساحات شاسعة، يمشون على أطراف القدم دون أن يريحوا كعوبهم أبدا على الأرض. وكانت الشمس تعرق منهم. وكانوا يلهثون، ويلوحون بأذرعتهم، ثم يختفون كالطيور المهاجرة.

وتوقفت كميلة في ظل كوخ ترقب عملية جمع حبات البن. كانت أيدي القاطفين تتحرك وسط العناقيد المعدنية كأنها الحيوانات النهمة، فوق، تحت، ثم تلتقي في جنون كأنها تدغدغ الشجرة، ثم تتباعد كأنها تفك أزرار قميصها.

وأحاط ذو الوجه الملائكي بخصرها ثم قادها عبر ممر ينبسط تحت أحلام الأشجار الدافئة. كانا يشعران برأسيهما وجذعيهما، أما ما تبقى، الساقان واليدان، فكانت تطفو معهما وسط زهور الأوركيد والسحالي ذات الألوان البراقة، في نور فاتر تحول تدريجيا إلى ظلمة عسلية إذ هما يمضيان قدما داخل الغابة. وكان يشعر بجسد كميلة من خلال بلوزتها الرقيقة كما يحس المرء بحبات الذرة الناعمة الحريرية الرطبة من خلال الأوراق الناضرة: وكان الهواء يعبث بشعريهما. وحين وصلا إلى مكان الاستحمام كانت الشمس غافية علي صفحة المياه، وثمة مخلوقات خفية تطفو وسط ذؤابات أعشاب السرخس الظليلة. وخرج ملاحظ الحمامات من كوخ ذي سطح من الزنك وهو يأكل حبات الفاصولياء، وحياهما بإيماءة من رأسه، وابتلع حفنة الفاصولياء التي كانت بين شدقيه، وأخذ يتطلع إليها بنظرة فاحصة تدل على الاعتداد بالنفس. وطلبا حمامين. وذهب لإحضار المفاتيح، وفتح لهما كبينتين يفصل بينهما حاجز. وتبادلا قبلة سريعة قبل أن يذهب كل منهما إلى كبينته. وكان ملاحظ الحمامات يعاني من ألم في إحدى عينيه ولذلك فقد غطى وجهه لحمايتها.

وشعرا بالغربة، بعيدين أحدهما عن الآخر، ضائعين وسط همهمات الغابة. وخلع ذو الوجه الملائكي ملابسه أمام مرآة محطومة بعجلة الشباب الوثاب. لماذا يتعين على المرء أن يكون رجلا؟! حين يكون من الأفضل له أن يكون شجرة، سحابة، يعسوبة، فقاعة، أو طائرا مغردا؟ وصرخت كميلة حين لمست قدماها المياه الباردة وهي تقف على أول درجة في سلم حوض الاستحمام؛ وصرخت مرة أخرى حين نزلت إلى الدرجة الثانية، وعلا صراخها مع الدرجة الثالثة، واشتد حدة مع نزولها إلى الدرجة الرابعة ... ثم ... «سبلاش»! وانتفخ قميصها الهندي كأنه البالونة، ولكن المياه غمرته في نفس لحظة امتلائه بالهواء تقريبا، فصاغت جسدها في ألوان القماش الغامقة من زرقاء وخضراء وصفراء: نهدان متوثبان، وبطن خمصاء، وانحناءة رقيقة عند الفخذين؛ ظهر أملس، وكتفان نحيلان نوعا ما. وبعد أن أتمت «الغطس»، خرجت ثانية من الماء وقد أحست بالاضطراب شيئا ما من الصمت الذي ران على أعشاب البوص، والذي بدا كأنه يمد يدا إلى شخص مختف هناك، روح غريب يحوم فوق الحمامات، أفعى ملونة بأوان الفراشات. ولكنها سمعت صوت زوجها يسأل من وراء الباب عما إذا كان بوسعه الدخول، وأحست بالأمان.

وتقافزت المياه معهما كأنها حيوان سعيد. ووسط نسيج العنكبوت المضيء للظلال الممتدة فوق جدران الحمامات، شاهدا ظلال جسديهما كأنهما عنكبوتان هائلتان. وكان الهواء يعبق برائحة النباتات المائية، وبوجود البراكين القصية، ورطوبة بطن الضفادع، وأنفاس العجول الصغيرة وهي تمتص المراعي الخضراء بعد أن تحولت إلى ذلك السائل الأبيض في ضروع أمهاتها، وبرودة شلالات المياه التي تنبجس وهي تضحك، وطيران الذباب الأخضر في قلق. وغمرها نقاب هلامي من فئوس خرساء، وصوت شخص يغني في الوهاد، ورفرفة جناحي طائر.

وأطل ملاحظ الحمامات كي يسأل عما إذا كان الجوادان اللذان وصلا من قرية «لاكبراديتاس» لهما. لقد حان الوقت لارتداء الملابس ومغادرة الحمامات .

وشعرت كميلة بدودة تتثنى في المنشفة التي ألقتها حول كتفيها لحماية ملابسها من شعرها المبلل. ولم يستغرق إحساسها بها، وصرختها، وإسراع ذي الوجه الملائكي لنجدتها وقتل الدودة، سوى ثوان معدودات. بيد أنها لم تعد تحس بالمتعة بعد ذلك؛ فقد بدأت تشعر بالخوف من الغابة، وبدا كأنما هي تغرق في لهاث رطيب، وسبات بلا أحلام، تنفض عنها الدود.

وكان الجوادان يذبان عنهما الذباب بطرفي ذيلهما تحت شجرة تين. وهرع السائس الذي أحضرهما نحو ذي الوجه الملائكي وقبعته في يده. - آه، أهو أنت. صباح الخير! ماذا تفعل هنا؟ - إني أعمل. إني هنا منذ تفضلت علي وأخرجتني من معسكر الجيش، منذ عام تقريبا. - أرى أن الوقت قد سرقنا. - يبدو هذا سوف تغرب الشمس عما قليل يا سيدي، وأمامنا مشوار طويل.

وسأل ذو الوجه الملائكي كميلة ما إذا كانت تريد العودة الآن. وتوقف كي يدفع الحساب لملاحظ الحمامات. - كما يحلو لك. - «ولكن، ألا تشعرين بالجوع؟ ألا ترغبين في تناول شيء من الطعام؟ ربما كان بوسعنا شراء شيء من الملاحظ.»

واقترح عليهما السائس قائلا: «ألكما في بعض البيض؟» واستخرج من جيب سترته، التي امتلأت بالأزرار التي فاقت عدد عراها، منديلا ملفوفا به ثلاث بيضات. قالت كميلة: شكرا جزيلا. يبدو أنها طازجة للغاية. - الشكر لك يا عروسة. أما عن البيض، فهو طازج جدا، فقد وضعته الدجاجات لتوها هذا الصباح، وقد قلت لزوجتي: اتركي هذه، على حدة فإني أزمع حملها إلى السيد الملائكي.

Bilinmeyen sayfa