الأكثر وجعل الحجة لهم الإجماع على عدم الإنكار على المقلدين.
فإن أراد إجماع الصحابة فهم لم يسمعوا بالتقليد فضلا عن أن يقولوا بجوازه وكذلك التابعون لم يسمعوا بالتقليد ولا ظهر فيهم بل كان المقصر في زمان الصحابة والتابعين يسأل العالم منهم عن المسألة التي تعرض له فيروى له النص فيها من الكتاب أو السنة وهذا ليس من التقليد في شيء بل هو من باب طلب حكم الله في المسألة والسؤال عن الحجة الشرعية.
وقد عرفت مما قدمنا أن المقلد إنما يعمل بالرأي لا بالرواية من غير مطالبة بحجة وإن أراد إجماع الأئمة الأربعة فقد عرفت أنهم مصرحون بالمنع من التقليد لهم ولغيرهم ولم يزل من كان في عصرهم منكرا لذلك أشد إنكار وإن أراد إجماع المقلدين للأئمة الأربعة فقد عرفت أنه لا يعتبر خلاف المقلد فكيف ينعقد بقولهم الإجماع وإن أراد غيرهم فمن هم فإنه لم يزل أهل العلم في كل عصر منكرين للتقليد وهذا معلوم لكل من يعرف أقوال أهل العلم.
والحاصل أنه لم يأت من جوز التقليد فصلا عمن أوجبه بحجة ينبغي الاشتغال بجوابها قط وقد أوضحنا هذا في رسالتنا المسماة بالقول المفيد في حكم التقليد وفي كتابنا الموسوم "بأدب الطلب ونهاية الأرب".
وأما ما ذكروه من استبعاد أن يفهم المقصرون نصوص الشرع وجعلوا ذلك مسوغا للتقليد فليس الأمر كما ظنوه فهاهنا واسطة بين الاجتهاد والتقليد وهي سؤال الجأهل للعالم عن الشرع فيما يعرض له لا عن رأيه البحت واجتهاده المحض وعلى هذا كان عمل المقصرين من الصحابة والتابعين وتابعيهم.
ومن لم يسعه ما وسع هؤلاء الذين هم أهل القرون الثلاثة الفاضلة على ما بعدها فلا وسع الله عليه.
وما أحسن ما قاله الزركشي في البحر عن المزني فإنه قال يقال لمن حكم بالتقليد هل لك من حجة فإن قال نعم أبطل التقليد لأن الحجة أوجبت ذلك عنده لا التقليد.
وإن قال بغير علم قيل له فلم أرقت الدماء وأبحت الفروج والأموال وقد حرم الله ذلك إلا بحجة!!
فإن قال أنا أعلم أني أصبت وإن لم أعرف الحجة لأن معلمي من كبار العلماء قيل له تقليد معلم معلمك أولى من تقليد معلمك لأنه لا يقول إلا بحجة خفيت عن معلمك كما لم يقل معلمك إلا بحجة خفيت عليك.
فإن قال نعم ترك تقليد معلمه إلي تقليد معلم معلمه وكذلك حتى ينتهي إلي العالم من الصحابة.
فإن أبى ذلك نقض قوله وقيل له كيف يجوز تقليد من هو أصغر واقل علما ولا يجوز تقليد من هو أكبر وأكثر علما؟.
وقد روى عن رسول الله ﷺ أنه حذر من زلة العالم وعن ابن مسعود أنه قال: "لا
1 / 14