أتى يوم الحفل وكان يوم السبت، لا أعلم ما هو سبب رفضها للمجيء، لا بد أن لديها أصدقاء تشاركهم المهرجان. كنت أتخيل كم ستكون فوضوية في المهرجان وكيف ستقوم بتجربة كل الألعاب وكل أنواع الطعام، وسيكون صوت ضحكتها أعلى ما في المهرجان. وبينما كنت أتخيل مدى اندفاعها بدأت الألعاب النارية بالانطلاق. وفجأة لاحظت أن أحدهم يقف في شرفة الطابق السفلي، استغربت جدا، من ذاك الذي يأتي إلى المركز ويجلس وحيدا في ساعة كهذه؟ دققت أكثر فإذا هي ساي! تركت المكان من فوري وانطلقت إلى الطابق السفلي، فقد دفعني الفضول لأرى ما بها. عندما اقتربت من باب الشرفة سمعت صوتا وكأنه صوت بكاء. - دكتورة ساي؟
قامت بمسح دموعها مباشرة. - أهلا بروفيسور هيروكي، عمت مساء، كيف حالك؟ - بخير، ما بك؟ ولم أنت هنا وحدك؟ - لا شيء، أنا بخير، شعرت أنني أود استنشاق هواء طلق فخرجت، تصبح على خير. - انتظري قليلا، أود أن أسألك سؤالا واحدا فحسب. - تفضل. - لم لم تأتي إلى الحفل؟ لم لم تعودي ترتادين المكتبة؟ هل بسبب ما صدر مني من كلمات في المكتبة المرة الماضية؟
ابتسمت ثم قالت: لا أبدا، ليس هذا هو السبب. ثم أليس هذا أفضل؟ تستطيع الآن مطالعة كتبك بهدوء.
ثم مضت. ما تزال ليست بمزاجها الطبيعي وتهربت من مواجهتي وهي تبكي. لم أرد أن أتدخل في شئونها أكثر. انتهت الحفلة فعدت إلى المكتبة، لكنني لم أقرأ شيئا، ظللت أفكر: لماذا هي حزينة؟ في الأسبوع التالي لم تأت أيضا إلى المكتبة ليلة السبت. كما لم أستطع القراءة، كنت أنظر إلى كتبها وأطعمتها التي كانت تحتفظ بها في حال احتاجت إليها على أحد رفوف المكتبة، لا أعلم لماذا أفتقدها؟ لكن حينما حلت ليلة الأحد، أتت ساي إلى المكتبة وجلست لفترة قصيرة جدا. كأنها تؤكد لي ألا علاقة لما حدث بتوقفها عن ارتياد المكتبة، ثم مضت. كانت أشد حزنا من الأسبوع الذي مضى، مع أنها كانت تحاول أن تكون على طبيعتها وتضحك وتتحدث. لكن في عينيها حزنا عميقا أستطيع أن أراه بسهولة. لحقت بها فرأيتها في الشرفة تنتحب بصوت خافت جدا، لا بد أنها من ذلك النوع الذي يخفف آلام الناس ولا يرغب في أن يشاركه أحد أحزانه. ساي تخفي شيئا في قلبها، أردت أن أجبرها على إخباري بما يزعجها، لكن كيف أستطيع أن أتحول إلى ذلك الشخص العفوي الفضولي وأسألها بشكل مباشر، لا أستطيع ذلك حقا. وجدت طريقة أخرى لأتمكن من سؤالها من غير أن تراودها أي شكوك حول غايتي الحقيقة، غايتي الحقيقة؟ لم أنا مهتم جدا؟ أبدو غريبا بعض الشيء! - دكتورة ساي! - بروفيسور هيروكي منذ متى وأنت هنا؟ - الآن، دكتورة ساي هناك أمر علي أن أخبرك به غدا؛ لذا من فضلك تعالي إلى مكتبي في الصباح. - حسنا! - الجو بارد قليلا الليلة، لا تبقي هنا في الخارج. - شكرا، سأكون بخير. - كما تشائين.
ساي
ككل عام، وكطقس من طقوس أشهر الصيف الجاف، تثقلني ذكرياتي، ويمر هذان الأسبوعان بمرارة شديدة. منذ عشرين سنة، تماما في بداية الصيف، بدأ حبنا أنا وهاك. كنا في السنة الثالثة في أثناء دراسة الطب. أخبرني هاك أنه قد وقع في حبي منذ المرة الأولى التي رآني فيها في المختبر بينما كنت أصرخ وألاحق الضفدع الذي كان علينا أن نشرحه. في ذلك اليوم اشتهر اسمي في أرجاء الكلية، ساي التي أفسدت المختبر، فلقد أفسدت المختبر بأكمله وأنا ألاحق الضفدع الذي أضعته، حيث إنني أزلت المثبتات من عليه بدافع الفضول! يا لها من شهرة وسمعة سيئة. لم يتوقف الأمر عند ذلك، فقد كنت أطرد في بعض الأحيان من المحاضرات بسبب ثرثرتي المتواصلة. أذكر أنه في يوم من الأيام قام المسئول عن المختبر بتأنيبي بشدة، لكني حقا لم أكن قد فعلت شيئا خاطئا. دافع هاك عني في لحظتها بشراسة ونبل. أحببت هاك، أحببته ليس بسبب هذا الموقف، بل لأنه كان حولي ويدعمني دائما. يساعدني على التركيز ويعطيني ملاحظات مهمة لم أكن لأسمعها في حياتي، كان لطيفا وحنونا جدا. عشنا قصة حب رائعة، كان هاك هادئا يحب أن يراني وأنا أقفز في كل مكان، كان يقول لي دائما: إن كل أحزانه وهمومه تزول حينما يرى ابتسامتي. توجنا حبنا بالزواج، عشنا خمس سنوات من الانسجام والتناغم. كلانا بقي كما هو، وكلانا أحب الآخر كما هو. لكن شيئا فشيئا بات هاك يبدي استياءه من تصرفاتي، رغم أنني لم أتغير مطلقا. بدأت مشاكل لم تكن موجودة بالظهور، شعرت أنه يختلق المشاكل من لا شيء، لم أكن أفهم ما يود الوصول إليه تماما. أذكر في ذلك اليوم حين اقترحت عليه فكرة إنجاب طفل، كانت ردة فعله عنيفة جدا وأبدى رفضه للفكرة. بعد مرور سنة وصل بنا الأمر إلى حد لا يطاق، كنت أرى في عينيه أنه لم يعد راضيا عن أي شيء صادر من قبلي، وبدأت أنا بفقدان كل طاقة الحب التي امتلكتها له.
الطلاق! كيف وصلنا إلى هذا الحد، لا أعلم. لكني أعلم أنني لغاية ذلك الصيف، كنت أحاول كل جهدي ألا أخسره. لكن لا بد أنه قد اتخذ قراره وانتهى الأمر.
أنا في مزاج سيئ الآن، كان علي أن آخذ إجازة من عملي وألا آتي إلى المركز. أشعر كما لو أن تلك الذكريات تخنقني، بدأ حبنا بالصيف وانتهى بالصيف، والآن مضى على طلاقنا عشر سنين. ما زلت أذكر كلمات وداعه الأخيرة حين قال لي «عليك أن تنضجي أكثر ساي، أتمنى لك حياة سعيدة.» رائحة أشجار الفاكهة تشعل كل الذكريات في قلبي. لذا حين أخرج إلى شرفة المركز أرى دموعي تذرف من غير شعور. لست نادمة على شيء، لكنني أرثي ذكريات عشتها وعشت تفاصيلها.
ولكي يزداد الأمر سوءا، رآني البروفيسور هيروكي مرتين وأنا أبكي. أضحكني عندما سألني إن كنت لا أرتاد المكتبة بسبب ما قاله لي فيها عن إزعاجي له، هل هذا سؤال يسأل لساي؟ لا بد أننا سنصبح صديقين في المستقبل. رغم أنه لا يتحملني مطلقا، إلا أنه لطيف ومحترم، وأنا أقدره جدا، سأخبره عندما يتحسن مزاجي إن كان يقبل صداقتي، سأعتز به حقا إن أصبحنا أصدقاء.
هيروكي
Bilinmeyen sayfa