فكاهة تمثيلية للكاتب الفرنسي «ألفريد كابو»
نعم فكاهة، وأظن أن الوقت والجو والظروف التي نعيش فيها منذ حين تجعل حاجتنا إلى الفكاهة شديدة، وتزهدنا في الجد قليلا أو كثيرا. فلنتفكه، ولنأخذ بحظنا من اللهو البريء، مجتهدين في ألا يخلو هذا اللهو من عظة وعبرة، ولكني محتاج قبل كل شيء إلى أن أعترف بحقيقة كنت أحب ألا أعترف بها، وكنت أستطيع ألا أعترف بها، لولا أني أخذت نفسي بألا أخدعك فيما أكتب، وبأن أظهرك في وقت واحد على نفس الكاتب الذي أحلله، وعلى نفسي أنا أيضا وقت التحليل؛ فأنا لا أنتقب أو أستتر حين أتحدث إليك، وإنما أظهر كما أنا، وأتحدث إليك صادقا مخلصا، وإذن فأنا مضطر إلى أن أعترف بهذه الحقيقة، وهي أني قد لا أبلغ من تفكهتك وتسليتك ما أريد ولا ما تريد؛ لا لأني لا أجد بين الآثار التمثيلية الفكاهية ما تبلغ من التفكهة والتسلية أقصاها؛ فأنا أجد من ذلك أكثر مما أطلب، بل لأن عهدي بهذا الفن حديث، فلم أحلل قبل اليوم فكاهة تمثيلية. وأحسب أن اللغة العربية التي أحب أن أصطنعها في هذه الفصول لا تسع في سهولة ويسر هذه الألوان من العبث الأجنبي، فلا بد من جد، ولا بد من جهاد لأستطيع أن أوفق بين اللغة العربية وبين عبث الفرنسيين وغير الفرنسيين. وكم من فكاهة تمثيلية قرأتها فاستغرقت لها في الضحك، وسعدت بها يوما أو بعض يوم، ووددت لو استطعت أن أوثر القراء بشيء من هذا اللهو، ولكني أعرضت عن ذلك عجزا وقصورا!
وليس يقف الأمر عند هذا الحد، بل إن هناك عقبات أخرى تحول بيني وبين ما أريد من إظهارك على هذه الناحية المبتسمة من التمثيل الأجنبي والحياة الأجنبية، وأهم هذه العقبات اختلاف الأخلاق في الشرق والغرب، وتباين ألوان الحياة فيهما، فنحن قوم نؤثر الجد على الهزل، أو قل نؤثر العبوس على الابتسام، فإذا لهونا - ونحن نلهو كثيرا - فنحن نختلس اللهو اختلاسا، ونسترق العبث استراقا، ونشعر حين نلهو ونعبث بأنا نأتي أمرا غير مألوف ولا مباح؛ فنحن نعبس حتى حين نلهو. أما الغربيون، وبخاصة الفرنسيون، فليست حياتهم جدا كلها، وليست حياتهم لهوا كلها، وإنما هم يجدون ويلهون، ويستفيدون من الجد كما يستفيدون من اللهو، ويعلمون أن الجد عليهم واجب، كما يعلمون أن اللهو لهم حق، فهم لا يتسترون ولا يستخفون ولا يتحرجون، إلا أن يأتوا منكرا من الأمر لا يبيحه خلق ولا نظام. هم أحرار، يفهمون الحرية ويستمتعون بها خيرا مما نفهمها نحن ونستمتع بها، ومن هنا كانت حياتهم أيسر احتمالا وأكثر إنتاجا من حياتنا.
ومع هذا كله فسأجتهد في أن أحلل لك طائفة من الفكاهات التمثيلية، لربما عدا بعضها طور المألوف مما تقرأ وتسمع، وهل علي في ذلك بأس وأنا قبل أن ألهيك أريد أن أظهرك على نحو من أنحاء الأدب الغربي له خطره ومكانته؟! وهل منعني مجون أبي نواس وأصحابه أن أحدثك عن أبي نواس وأصحابه؟!
فلنجرب إذن هذا النوع من التمثيل، ولست أطلب إليك إلا شيئا واحدا، وهو أن تعذرني إذا لم أبلغ رضاك، فلعلي أوفق لأن أبلغه بعد قصة أو قصتين.
أما قصة اليوم ففكاهة لا تخلو من جد، ولست أقدم بين يديها المقدمات، فهي لا تحتاج إلى شيء من ذلك، وإنما أريد ألا تبحث فيها عن الظهر في الساعة الرابعة عشرة، كما يقول الفرنسيون، وألا تلتمس فيها فلسفة عميقة أو شيئا من العجب، فليس فيها من ذلك شيء. •••
نحن في باريس، في بيت أسرة مثرية شابة، تأتلف من زوجين: أحدهما موبران وهو محام، ولكنه قد أهمل مهنته وانصرف عنها إلى لهوه وعبثه، فهو غني لا يحتاج إلى أن يكسب حياته، وهو رجل غزل مشغوف بالنساء، ضعيف لا يستطيع أن يقاوم امرأة ولا أن يثبت لنظرة.
والآخر «هنرييت»، وهي امرأة شابة بارعة الجمال راجحة الحلم خفيفة الروح، تحب زوجها حبا شديدا، ولكنها قد ضاقت بخياناته التي اتصلت أعواما والتي لم ينقضها عفو ولا ألم.
فإذا رفع الستار رأيت زائرة تتحدث إلى الخادم تسألها عن سيدتها، فتجيب أنها خرجت، فتسألها عن سيدها فتجيب أنه خرج، فتسألها: أيهما خرج أولا؟ فتجيب: هي السيدة. ويقبل زائر يجب أن نذكر اسمه؛ لأنه من أبطال القصة، «لوهوتوا» وهو مستشار في مجلس الدولة، جاد لا يحب اللهو ولا يميل إليه، صادق، دقيق، منظم الحياة، يتحدث إلى الزائرة فنفهم من حديثه أنه أحب «هنرييت» وأراد أن يقترن بها فرفضت، ولكنه قد حفظ لها الحب والوفاء.
وهما يتحدثان إذ تقبل هنرييت مضطربة حادة المزاج لا تكاد تملك نفسها، فما هي إلا أن تحاور زائريها حوارا قصيرا حادا حتى تصرفهما عنها؛ لأنها لا تريد أن تتحدث إلى أحد الآن؛ فهي مشغولة البال بأمر سيعلمانه بعد حين. ينصرفان ويأتي أبواها، وكانت قد دعتهما لزيارتها، ولا بد من أن نقدمهما إليك في إيجاز.
Bilinmeyen sayfa