Derinliklerin Sesi: Felsefe ve Psikoloji Üzerine Okumalar ve Çalışmalar
صوت الأعماق: قراءات ودراسات في الفلسفة والنفس
Türler
كانت الحاجة إلى نموذج جديد ملحة بشكل خاص في مجالي علم النفس والطب النفسي؛ حيث ساد تصور للإنسان بوصفه آلة أو «روبوتا»، أو كائنا منفعلا
reactive
غير فاعل. ذلك التصور الذي ظل مسيطرا طيلة النصف الأول من القرن العشرين وبسط نفوذه على جميع المدارس السيكولوجية الكبرى: السلوكية الكلاسيكية، والسلوكية الجديدة، ونظريات التعلم ونظريات الدوافع، والتحليل النفسي، والسيبرنطيقا، ونموذج الحاسوب كتفسير لعمل المخ. الإنسان، من هذا المنظور، هو حاسوب أو حيوان أو طفل، مصيره مكتوب بالكامل في جيناته وغرائزه ومصادفات حياته وتشريطاته الأولى وتدعيماته، وفي القوى الثقافية والاجتماعية التي تكتنفه. والحب من هذا المنظور هو دافع ثانوي قائم على الجوع وعلى الأحاسيس الفمية، أو هو رد فعل (معكوس) لكراهية باطنة فطرية. وفي أغلب صياغاتنا عن الشخصية ليس هناك محل للإبداعية ولا هامش لحرية الإرادة ولا مكان لسطوة المثل العليا، ولا أساس لأفعال التضحية والإيثار، ولا مطمح لنجاة الجنس البشري من مصيره المتربص به، «فإذا كنا نحن معشر السيكولوجيين قد عملنا طوال الوقت، بوعي أو بغير وعي، على التدني بمفهوم الطبيعة البشرية إلى أدنى قواسمها المشتركة وأحطها، وتزدهينا نجاحاتنا في هذا السبيل، فعلينا أن نعترف أننا بنفس القدر كنا نعبر عن الروح الشيطانية الخبيثة التي تتلبسنا.»
كان تصور الإنسان كروبوت تعبيرا عن المجتمع الكتلي الصناعي وقوة دافعة له في الوقت نفسه. فهذا المفهوم يقدم الأساس النظري الذي تقوم عليه الهندسة السلوكية المتمثلة في الدعاية التجارية والاقتصادية والسياسية، ولا غنى للاقتصاد التوسعي للمجتمعات الغنية عن مثل هذا التلاعب والاستلاب. تريد هذه المجتمعات العظمى أن تصل تقدمها نحو تزايد دائم للإنتاج القومي الهائل، ولكي تبلغ ذلك لا يسعها إلا رد الكائنات البشرية إلى روبوتات أو آلات طيعة أو فئران مختبر على طريقة سكنر ، أو كائنات مذعنة أخرى تعتمد في تأقلمها على التوازن الحيوي (الهميوستاسيس). (1-5) صيحات وموجات
في العقود الأخيرة من القرن العشرين ظهر في علم النفس والطب النفسي عدد من الصيحات، وأحرزت بعض النجاح، ثم ذهبت دون أن تحدث تغييرا جوهريا في النموذج السائد؛ نموذج الروبوت أو النموذج الزومورفي (التشبيه بالحيوان) للإنسان. من أهم هذه الصيحات ما يعرف بالإيثولوجيا أو الدراسة المنهجية المقارنة لسلوك الحيوان. وليس بالكشف الجديد أن الإنسان حيوان شبيه بالقردة العليا من حيث التشريح والأنسجة والكيمياء الحيوية. وهو أيضا يشارك أسلافه الحيوانات كثيرا من الآيات السلوكية، وبالتالي فمن الضروري أن ندرس دوافعه البيولوجية وبخاصة الجنس والعدوانية؛ لكي نقف على هذه الدوافع ولكي نهذبها إن أمكن ذلك. غير أن النظرة «الردية»
reductionist ، أي القول بأن الإنسان «ما هو إلا» قرد، لم تكن بحال مقصد رواد الإيثولوجيا الذين أكدوا على تفرد الإنسان وخصوصيته، كما تتمثل في حقائق واضحة مثل الثقافة والعرف والتاريخ وما شابه ذلك. ولكن مثل هذا التحفظ قد غاب عن الكتابات التي تحدوها النزعة الحسية، والتي استمدت نجاحها الشعبي الكبير من المذهب الزومورفي. ربما يعود نجاح هذه الكتابات إلى أنها خففت مشاعر الذنب التي يعانيها المجتمع المعاصر. فالوحشية والإجرام والقسوة التي يعج بها المجتمع الحديث تغدو أقل فظاعة وأقرب إلى العذر والغفران إذا بدا أنها نابعة من دوافع الإنسان البيولوجية التي لا تقاوم.
وتحت شعار «القوة الثالثة» ظهر علم النفس «الإنساني» كبديل أقوم للقوتين الأخريين السلوكية والتحليل النفسي. وكان لكتابات رواداها من أمثال ماسلو وشارلوت وبوهلر وماتسون صدى هائل بتوكيدهم على خصوصية السيكولوجيا البشرية وعلى ضرورة اعتبار الأصحاء لا المرضى هم النموذج الأساسي، وتوكيدهم على غايات إنسانية من مثل تحقيق الذات وخبرات القمة ... إلخ، وحملتهم على الخواء العاطفي لمجتمعنا المعاصر. غير أن الحركة الجديدة سرعان ما تم إخضاعها للنزعة التسويقية، وأصبحت «جماعات الملاقاة» (المواجهة)
encounter groups
صناعة جديدة يديرها ممارسون مشكوك في مؤهلاتهم إلى حد كبير، يطلق عليهم اسم «مدربون»، وهو لقب يحمل في حد ذاته دلالة تسويقية لا تخفى. وعلى الرغم من التقنيات السديدة التي اصطنعها علم النفس الإنساني في العلاج الجمعي، فقد تحول إلى سلعة كبيرة قدمت، مع جماعات التدريب والحساسية وماراثونات العراة، مخرجا من سآمة المجتمع الثري وطرقا مختصرة إلى نشوة انفعالية كانت نتائجها وبيلة في بعض الأحيان. وفي نفس الوقت تحولت «الإنسانية» المزعومة إلى «حيوانية» أو زومورفية بشكل محور بعض الشيء. كان الخلاص يرجى في «الجماعة»، وبالتالي كان الفرد يختزل إلى أدنى القواسم المشتركة ويتحول إلى بقعة باهتة وغير متمايزة في فضاء اجتماعي، وانطمست ذاته بفعل السيكولوجيا الاستلابية وتقنيات الهندسة الاجتماعية. بهذه الطريقة الملتفة الملتوية كانت النزعة التسويقية واللاإنسانية، وهي أوخم ثمرات المجتمع الكتلي الصناعي، تتدعم من جديد على يد زبائن يجزلون لها الأثمان عن طيب خاطر.
10
Bilinmeyen sayfa