Derinliklerin Sesi: Felsefe ve Psikoloji Üzerine Okumalar ve Çalışmalar
صوت الأعماق: قراءات ودراسات في الفلسفة والنفس
Türler
10
إن إيجاد التفاهم بين العامة والخاصة لا يتم، بحال من الأحوال، بإنزال هذه إلى مستوى تلك، بل برفع تلك إلى مستوى هذه. إن الدلعة الديمقراطية في العصر عودت العامة شيئا خطرا؛ خطرا حتى عليها، هو أن تساير العامة الخاصة وتجاري ما تظن العامة أنه خيرها، والعامة لن تعرف خلاصها، إلا إذا أبقيت على اتصال بخلاصة اكتشافات الخاصة، لا ما يطبقه الصناعيون تكنولوجيا من اكتشافات الخاصة، بل ما تبحثه الخاصة نفسها في دوائرها العليا من نواميس. نعم ليس بإمكان العامة أن تفقه النواميس، ولكن بإمكانها أن تطلع على روح النواميس. بإمكانها أن تدرك اتجاهها، بإمكانها أن تعيش في مناخها الرفيع.
ولو عجزت النخبة غدا عن تقليل سعة الهاوية بين الخاصة والعامة، لجاءت النتيجة راعبة: استمر الحكم في تدهور؛ لأن الحكم متأثر بطبيعته بالعامة، إن لم نقل منبثق منها، وأجبر، عندما يستيقظ إلى الدرك الذي يكون قد سقط فيه، على التبدل حكما فرديا.
11 •••
من الحكمة أن نفسح المجال لشيء من «التجريب» في الفعل والسلوك، وأن نتحلى برحابة العقل والصدر تجاه كل غريب مختلف؛ ذلك أن تعدد التجارب البشرية دليل ثراء وخصب، مثلما أنه سبيل تقدم وارتقاء. ومن شأن الزمن وحده أن يبين لنا أي هذه التجارب هو الأفضل والأجدى والأنجع فنأخذ به كعادة ونكتسبه اكتسابا. ليس من حق أحد أن يفرض أسلوب حياته على غيره فرضا، فالبشر ليسوا قطيعا من نعاج، بل إن النعاج ليست فيما بينها تامة التشابه، بل بينها اختلاف وتفاوت. وما كان لإنسان أن يجد ثوبا يناسبه أو زوجين من الأحذية ما لم تكن قد فصلت على مقاسه أو كان لديه مخزن كامل ينتقي منه. أيمكن أن يكون اختيار طريق للحياة أسهل من اختيار ثوب؟ أم هل يتشابه البشر جميعا في تكوينهم البدني والروحي أكثر من تشابههم في مقاس أقدامهم؟
ولو أن الأمر كان محصورا في تنوع أذواق البشر لكان ذلك مانعا كافيا من صبهم جميعا في قالب واحد، فما بالك إذا كان اختلاف الأشخاص يتطلب أيضا تنوع الظروف الملائمة لنموهم الروحي، تماما مثلما تتطلب النباتات المختلفة لنموها أجواء مختلفة. فالشيء نفسه الذي يساعد شخصا ما على الارتقاء بطبيعته العليا وتنميتها قد يعوق نمو شخص آخر، وقد يكون نمط معين من الحياة مثيرا صحيا لشخص؛ يحفظ جميع ملكات الفعل والاستمتاع عنده في أحسن حال، بينما يكون لشخص آخر عبئا مشتتا يوقف نمو حياته الداخلية بأكملها أو يسحقها. تلك هي الاختلافات بين البشر في مصادر متعتهم وفي استهدافهم للألم وتأثرهم بشتى العوامل المادية والأخلاقية، فما لم يقابلها تنوع آخر في طرائقهم في الحياة فإنهم لن ينالوا نصيبهم المستحق من السعادة ولن تنمو جوانبهم الذهنية والخلقية والجمالية إلى غاية ما تسمح به قدراتهم.
ثمة ميل خبيث في العصور الحديثة يجعل العامة أشد ميلا من معظم العصور السابقة لأن يفرضوا قواعد عامة للسلوك، ويرغموا كل فرد على الانصياع للمعيار السائد. وهذا المعيار يفيد، صراحة أو ضمنا، ألا نرغب في شيء رغبة قوية، ومثله الأعلى للشخصية هو أن تكون خلوا من أي سمة بارزة، وأن تطمس بالضغط، كما تفعل الأحذية الصينية، أي جزء من الطبيعة الإنسانية يبدو بارزا، وألا يسمح للفرد بأن يشذ في مجمله عن العاديين من البشر.
إن استبداد العادات هو في كل مكان العقبة التي تواجه التقدم البشري، والشطر الأكبر من العالم لم يكن له تاريخ بالمعنى الصحيح؛ لأن استبداد العادات فيه كان استبدادا تاما. ذلك هو الحال في «الشرق» كله، فالعادات هناك، في جميع الأمور، هي المرجع النهائي والفيصل. العدل والحق هناك يعني الانصياع للتقاليد. وها نحن نرى النتيجة؛ فهذه الأمم لا بد أنها كانت مبدعة يوما ما، فلم يكن من فراغ ما شيدته من مدائن وما تضلعت فيه من آداب ومن كثير من فنون الحياة، بل هي التي صنعت ذلك بنفسها. كانت يومئذ أعظم أمم العالم وأقواها، فما هو حالها اليوم؟ رعايا أو تابعون لقبائل كان أسلافهم يهيمون في الغابات عندما كان أسلاف هؤلاء لديهم القصور الفخمة والمعابد الرائعة. غير أن أسلاف تلك القبائل (الأوروبية الأولى) كانوا يمتازون بشيء واحد: هو أن العادات لم تكن تمارس استبدادا كليا عليهم، بل تتقاسم السلطة مع الحرية والتقدم. ويبدو أن شعبا ما يمكن أن يكون بسبيل التقدم فترة معينة من الزمن ثم يتوقف. فمتى يتوقف؟ عندما يفلس من الأفذاذ المتفردين ولا يعود يمتلك الشخصية الفردية.
وما الذي حفظ أوروبا حتى الآن من هذا المصير؟ ما الذي جعل عائلة الأمم الأوروبية عائلة متقدمة بدلا من أن تكون قسما راكدا ثبوتيا من الجنس البشري؟ السبب لا يكمن في أي امتياز فائق فيهم (والذي إن وجد فبوصفه المعلول لا العلة)، وإنما السبب هو تنوعهم الملحوظ في الشخصية وفي الثقافة، فالأفراد والطبقات والأمم في أوروبا كانوا متباينين الواحد عن الآخر غاية التباين. لقد سلكوا طرقا متعددة جدا، يؤدي كل منها إلى شيء ذي قيمة. صحيح أنهم لم يسلموا من التعصب ومحاولة كل منهم فرض طريقه على الآخر، غير أن محاولة كل منهم إيقاف تطور الآخر قلما أسفرت عن نجاح دائم، بل كان كل منهم يضطر في نهاية الأمر إلى تقبل الخير الذي يقدمه له الآخرون. وأوروبا، في اعتقادي، مدينة لهذه الكثرة من الطرق في تقدمها ونموها المتعدد الجوانب. (4) كارل بوبر: داعية المجتمع المفتوح
لو أن هناك شيئا من قبيل الاشتراكية المقترنة بالحرية الفردية، لوددت أن أكون اشتراكيا؛ فليس أجمل من أن يعيش المرء حياة متواضعة في مجتمع مساواة. غير أني أنفقت زمنا قبل أن أدرك أن هذا لا يعدو أن يكون حلما جميلا، وأن الحرية أهم من المساواة، وأن محاولة تحقيق المساواة من شأنها أن تهدد الحرية، وأن الحرية إذا فقدت فلن يتمتع فاقدوها حتى بالمساواة.
Bilinmeyen sayfa