وتمهيدا لذلك اليوم الآتي أحيي الآن كل متشح بالسواد، أما السعداء فلهم من نعيمهم ما يغنيهم عن السلامات والتحيات. أحيي الذين يبكون بعيونهم، وأولئك الذين يبكون بقلوبهم؛ أحيي كل حزين، وكل منفرد، وكل بائس، وكل كئيب. أحيي كلا منهم متمنية له عاما مقبلا أقل حزنا وأوفر هناء من العام المنصرم.
نعم، للحزين وحده يجب أن يقال «عام سعيد»!
أجوبة الفتيات
نشرت إحدى صحف اليوم تحت هذا العنوان النبذة التالية: ألقت نشرة امتحانات التعليم الابتدائي الفرنساوية على الفتيات المتقدمات للحصول على الشهادة هذا السؤال: «ما هي غايتك من الحياة؟» وبعض الأجوبة جدير بالذكر، منها: «أريد أن أكون من راهبات القديس فرنسيس لأمرض المرضى طول حياتي.» «لقد قر رأيي على أن أكون مركيزة.» «أود أن أكون ملكة على فرنسا.» «أشتهي أن أصير أما.» «أود أن أكون راعية للغنم.» «أطمع في الحصول على ساعة.» «أريد أن أكون بطلة مثل جان دارك.» «أتمنى أن أسافر وأموت غرقا.» «أود أن أبرع في أساليب الهزوء والتنكيت ... إلخ، إلخ» •••
فسألت نفسي بعد قراءة هذه النبذة: «وما هي أمنيتك الآن؟» وأغمضت عيني منتظرة الجواب. وما أغمضتهما إلا وتلاشت الأصوات حولي، ونسيت محيطي، ورأيتني سابحة فوق الأزرق الوسيع ، ورائحة المرارة البحرية وطعمها يخترقان كياني بينما الأهوية والنسائم يتناقلنني. يا لهذا البحر الجميل كم من أرض محبوبة يحول دونها، وكم من وجه عزيز يحجب عن المشوق معناه! وما لبثت أن وجدتني مستلقية على الشاطئ البعيد ...
أتعرفون تلك البقعة الهادئة المنبسطة على شفة البحر تحت ذياك المكان المدعو ب «وطأ نهر الكلب»؟ أما زالت هناك كما كانت يخاصمها البحر ويصالحها ليل نهار؟ هناك أود أن أنام، شأني وأنا في الثانية عشرة من سنواتي البشرية. هناك الرمال ذهبية نظيفة لا تفتأ الأمواج تغسلها وتظل الأشعة تنشفها. هناك صخور وشقوق أود أن أستريح في فيئها سعيدة بالاختلاء والكآبة، سعيدة بغرز يدي في الرمل الناعم، معرضة عن كل شيء، مكتفية بمناجاة الأصداف والحصى والذرات حولي، وبإلقاء هذا السؤال على الكون الصامت: «لماذا أوجدتني، أيها الكون، وما تريد مني؟» •••
أوقات سجلت في كتاب الحياة، أتمنى رجوعها لحظة ويأسف لانقضائها قلبي، ولكن فكري ليس ليشتهيها؛ لأننا في عالم نشوء وارتقاء. ولئن اكتفى جزء من النفس مرة فهناك جزء آخر يبقى متفلتا من إظلال الماضي، تائقا إلى المستقبل المجهول، لا يعرف لذة الارتواء وسعادة الاكتفاء ...
وصف غرفة في مكتبة
أستخرج هذه الصفحة من فصول لم تنشر بعد، كتبتها تحت عنوان «مذكرات الجامعة المصرية» لسنة 1916. والغرفة التي وصفتها تابعة لمكتبة الجامعة، وهي اليوم مركز سكرتارية المكتبة. أما يوم كتبت فيها فكانت خالية يجتمع فيها الطالبات إذا جئن قبل ابتداء الدرس الذي يقصدن حضوره. ومنهن الفرنساوية والإنجليزية والروسية واليونانية والإيطالية والبلجيكية والسورية. ولم تخل تلك الاجتماعات إلا من الفتاة المصرية، وهي الحقيقة بحضور الدروس أكثر من غيرها؛ لأن الجامعة جامعتها أكثر منها جامعة الأجانب.
كنا نجتمع هناك كمؤتمر دولي التأم لعقد الهدنة وتقرير شروط الصلح، أو كمؤتمر نسائي غرضه المطالبة بحقوقه والمجاهرة بمطالبه. لكن الأحاديث الدائرة بيننا لم تكن لتدل على ذلك، بل كانت مقتصرة على أخبار «الكونسرتات» والسينماتوغرافات والأزياء وأشكال البرانيط الحديثة. ويتخلل هذه الثرثرة النسائية المحضة ضحك «يدب دبيبه» في كل موضوع تجاذبت أطرافه فتاتان، فكيف به إذا صار ضجة فتيات كثيرات؟
Bilinmeyen sayfa