312

Sarim Munki

الصارم المنكي في الرد على السبكي

Araştırmacı

عقيل بن محمد بن زيد المقطري اليماني

Yayıncı

مؤسسة الريان

Baskı Numarası

الأولى

Yayın Yılı

1424 AH

Yayın Yeri

بيروت

فها هنا أمران يمنعان كون الفعل قربة: استلزمه لأمر بمغوض مكروه وتفويته لمحبوب هو أحب إلى الله من ذلك الفعل.
ومن تأمل هذا الموضع أحق التأمل أطلعه على سير الشريعة ومراتب الأعمال وتفاوتها في الحب والبغض والضر والنفع، بحسب قوة فهمه وإدراكه ومواد توفيق الله له، بل مبنى الشريعة على هذه القاعدة، وهي تحصيل خير الخيرين، وتفويت أدناهما وتعطيل شر الشرين باحتمال أدناهما، بل مصالح الدنيا كلها قائمة على هذا الأصل.
وتأمل نهي النبي ﷺ أولًا عن زيارة القبور سدًا للذريعة الشرك، وإن فاتت مصلحة الزيارة، ثم لما استقر التوحيد في قلوبهم وتمكن منها غاية التمكن إذن في القدر النافع من الزيارة، وحرم ما هو داع إلى غيره، فحرم اتخاذ المساجد عليها وإيقاد السرج عليها والصلاة إليها فحرم جعلها قبلة ومسجدًا، ونهى عن اتخاذ قبره الكريم عيدًا وسأل ربه تعالى أن لا يجعل قبره وثنًا يعبد، وقد استجاب له ربه تعالى بأن حال يبين قبره وبين المشركين بما لم يبق معه لهم وصول إلى عبادة قبره، وأمر الأمة بالصلاة عليه حيثما كانوا عقب قوله: «لا تتخذوا قبري عيدًا» فقال: «وصلوا علي حيثما كنتم فإن صلاتكم تبلغني» (١) .
فهو ﷺ أحرص الناس على تحصيل القرب لأمته وقطع أسباب أضدادها عنهم، وإنما دخل الداخل على من ضعفت بصيرته في الدين، وكانت بضاعته في العلم مزجاة فلم يتسع صدره للجمع بين الأمرين، ولم يفطن لارتباط أحدهما بالآخر.
وهذا القدر بعينه هو الذي ضاقت عنه عقول الخوارج، وقصرت عنه أفهامهم حتى قال له قائلهم في قسمته، أعدل فإنك لم تعدل (٢)، فإنه لما لحظ مصلحة التسوية ولم يلتفت إلى مصلحة الإيثار، وما يترتب على فواته من المفاسد قال ما قال، هؤلاء سلف كل متمعقل متمعلم على ما جاء به الرسول، بعقله أو رأيه أو قياسه أو ذوقه.
والمقصود أن كون الفعل قربة ملحوظة فيه هذان الأمران.
الوجه الرابع: أنه كيف يتقرب إلى الرسول صلوات الله وسلامه عليه بعين ما نهى عنه وحذر منه الأمة بقوله: «لا تتخذوا قبري عيدًا» (٣) ومعلوم أن جعل الزيارة من أفضل

(١) تقدم مرارًا.
(٢) أخرجه البخاري ١٠/٥٥٢ و١٢/٢٩٠ ومسلم ٢/٤٧٠ - ٧٤٤ وابن ماجة رقم ١٧٢ وأحمد ٣/٥٦، ٦٥، ٣٥٣، ٣٥٥.
(٣) تقدم.

1 / 316