فقلت بلهجة من لا يحتمل في ذلك جدلا: إني واثق.
فبدا في وجهها الاستياء وقالت: مدرسة! إن بنات الأسر الطيبة لا يشتغلن مدرسات! والمدرسة إما أن تكون عادة دميمة أو مستهترة مسترجلة.
فوخزني ألم في صميم الفؤاد وهتفت بحدة: يا لها من آراء فاسدة! .. أنت لا تدرين شيئا عن الدنيا التي نعيش فيها، لقد تغير كل شيء، ولا شك أنها فتاة كاملة ومن أسرة عالية!
وغلبها الانفعال على هدوئها المصطنع فقالت بنرفزة: لا داعي لإهانتي من أجل فتاة مدرسة لا تعرف عنها شيئا! وما قصدي إلا إرشادك لما فيه خيرك!
اشتد بي الحنق، ولو أنني استسلمت له لتفوهت بما أندم عليه، ولكنني ضبطت نفسي وقلت برجاء: معاذ الله أن أقصد إهانتك، فأرجو أن تمسكي عن كلام يسوءني!
فدارت انفعالها بابتسامة، واستعادت هدوءها مرة أخرى، وقالت بتسليم: إن ما يسوءك يسوءني، وما يسعدك يسعدني، ونصيحتي إليك إذا شئت أن تتقبلها أن تعرف لرجلك قبل الخطو موضعها، وفقك الله لما فيه الخير والسعادة.
فضغطت على يدها برقة، وقلت بصوت ملؤه التودد: إن رضاك عني بالدنيا وما فيها!
فابتسمت قائلة: سيدعو لك قلبي آناء الليل وأطراف النهار!
وساد الصمت مليا حتى حسبت الأمر انتهى عند هذا الحد، ولكنها بدت مهتمة متفكرة كأن خاطرا يلح عليها أن تفصح عنه، وخالستني نظرة قلقة أكثر من مرة، ثم خرجت عن الصمت والتردد بأن قالت في حذر وإشفاق: ألا يحسن بك أن تؤجل الشروع في الخطبة حتى يحول الحول على موت أبيك؟ إن أخوف ما أخافه أن يقال عنك إنك خطبت ولما ينته الحداد على أبيك، كأنك كنت ترصد موته على لهفة؟!
ولم أكد أصدق أذني! .. وبدا لي قولها نوعا من المكر المكشوف لا أحبه ولا أطيقه، وعاودني الحنق والغيظ، وكدت أنفجر غاضبا، ولكني استمسكت بالصمت حتى ولت العاصفة، ثم قلت: لن يتم الزواج على أية حال قبل مضي عام!
Bilinmeyen sayfa