فحملقت في وجهي بانزعاج، ثم جلست في الفراش باضطراب وقالت: إنك ترعبني بدعابتك.
فقلت بغير مبالاة: ليس في الأمر دعابة على الإطلاق، لقد شربت دورقين كونياك أوتار.
وانزلقت من الفراش، واقتربت مني بارتياع وعيناها لا تتحولان عن عيني حتى شعرت بأنفاسها تتردد على وجهي، ثم امتقع لونها وقالت بصوت متهدج: لم فعلت هذا بنفسك؟ .. كيف تطيع الشيطان بعد أن تبت إلى الله؟
فلم أنبس بكلمة، واشتد بي الذهول، واستدركت هي تقول: اخلع ملابسك .. دعني أساعدك!
وراحت تنزع عني ملابسي وأنا صامت ذاهل .. لماذا فضحت نفسي على ذاك النحو الغريب؟ .. لم أكن في حالة سكر يتعذر معها ضبط نفسي، بل من المؤكد أنني رجعت في ليال سابقة في حالة أشد سكرا فما أحدثت منكرا، وما تهاونت في حذري كي لا تستيقظ من نومها، فما الذي دهاني تلك الليلة؟ والأعجب من هذا وذاك أنني كنت خالي الذهن حتى بعد أن دخلت الشقة، ولم يثب إلى خاطري أن أوقظها إلا عندما وقع بصري عليها، فلما أن لبت ندائي قلت ما قلت بلا تردد، وربما بلا إدراك، ولكني كنت مدفوعا بقوة لا تقاوم! .. ولم أستشعر ندما وقتذاك، وجعلت أتفرس في وجهها المتألم وهي تنزع ملابسي جامد الإحساس متحجر الشعور. ثم ابتعدت عنها صوب المشجب فتناولت البيجاما وارتديتها صامتا، وصعدت إلى فراشي واندسست تحت الغطاء .. واقتربت مني، ووضعت راحتها على جبيني، وسألتني بصوت مرتجف النبرات: أتشكو شيئا؟ هل أصنع لك قهوة تسند رأسك؟
فقلت لها: شكرا، لا أريد شيئا على الإطلاق.
32
مضى على تلك الليلة وما خلفت من شجن أسبوع، أو أكثر لا أذكر، وكنت قد انتهيت من عملي اليومي وجلست أنتظر موعد الانصراف في ملل وتعب، وقبيل الساعة الثانية بقليل استدعيت إلى التليفون فانتقلت إليه في دهشة لأنه لم يحدث قبل هذه المرة أن طلبني أحد بالتليفون، ولأنني لم أكن أنتظر أية مكالمة تليفونية إطلاقا، ووجدت المتحدث شقيقي مدحت وقد قال لي باقتضاب: والدنا توفي، احضر إلى الحلمية!
وعقدت الدهشة لساني، فلم أزد أن قلت: سأحضر في الحال!
وأعدت السماعة إلى موضعها ولبثت واقفا في مكاني، واتجهت نحوي الأبصار وسألني الزملاء عما هناك؟ فقلت في ذهول: مات أبي!
Bilinmeyen sayfa