وإني أرى بعد إمعان النظر والتروي، والتحقق والتحري، إن أسعد الناس حالا رجل رزقه الله مالا. واصلح له بالًا. فجعل دابة السفر في البلاد الغريبة. والمشاهدة للكائنات العجيبة. فهو كل يوم في شأن. وله في كل معان أوطان وإخوان. فقال قائل قد استوعب فحوى مقاله. واعتقد ما ذهب إليه أنه من فنده وضلاله. لقد زعت قصدًا. ولم تقل رشدًا. أو ليس المتعرض للسفر. بلا عناء وخطر. إذ كثيرا ما يمنيه بأمراض شديدة. تغيير الهواء عليه والأحوال غير المعهودة. واضطراره إن يطعم ما يعافه. ويشرب ما به أدنافه. فيكون آكلا لما يأكل بدنه. ويذهب وسنه. هذه الإفرنج تأتي إلى بلادنا فينغصهم عدم وجود الخنزير فيها. وخلوها عن السلاحف والأرانب وما يضاهيها. إذ يزعمون أنهم يخلطون شحم الخنزير ودمه في كل صبة وحسو وحلواء. ويتخذون من لحم السلاحف مرقا به شفاء من كل داء ويعيبون علينا أن لبننا غير ضيح ولا ممذوق. وخبزنا مملوحا وطعامنا غير مزعوق. وإن ماءنا غير ممزوج بالجير. وخمرنا غير مصبوغة بالعقاقير. وإنا نذبح الحيوانات ذبحا ونأكل لحمها غريضا. وهم يخنقونها خنقا ويأكلونه دائدا أنيضا. وأن جونا غير ذي دجن. ومطرنا غير دائم الهثن. وإن سماءنا غير محلسة وأرضنا غير مطلي وجهها بالرجيع والروث وسائر الأشياء المنجسة. فبقولنا غير مسيخة. وأثمارنا غير مليخة. وإن شتانا لا يدوم ثلثي العام. وصيفنا لا يسمع فيه رعد ذو إرزام. فإذا جاء أحدهم إلى بلادنا ليتعلم لغتنا ومكث بين أظهارنا عشر سنين. ثم رجع وهو من أجهل الجاهلين. أحال الذنب على الهواء. فقال إنه مني منه بالحمى والجوى. أو بالإسهال المفرط. والسعال المقنط. هذا وإن من جهل لسان قوم وهو فيهم لم يمكنه أن يعرف عاداتهم وأخلاقهم. واستوى عنده ظاهرهم وخافيهم. فيرى عندهم ما يرى دون علم. ويسمع ما يسمع من غير فهم. فلم يكن لذي السياحة بد من اتخاذ ترجمان. واعتماده عليه في كل خطب وشأن. ولا يلبث أن يسيء به الظن. ويرى أن له عليه المن. ولو أنه حاول أن يستغني عنه لفاته معرفة الأحوال. وبات بين القوم ذا وحشة وبلبال. وربما حن إلى رؤية أهله. والاجتماع بشمله فأدنفه الحنين. وأضناه بين الخدين. وإنما يطيب السفر ما إذا اتفق إنسان مع ند له نوي. وصديق نجي. وكانا عارفين بلغات كثيرة. وقلوبها خالية من علاقة الحب والبصيرة. وهيهات أن يتفق اثنان على رأي واحد. وإن تتم لذة من دون مانع جاهد. وهم عاصد.
1 / 28