فلما سمع الأمير بذلك استاء جدًا وقال لأخيه. تالله لقد جاء أَخوك آمرًا فريًا. كيف يهجونا وهو ضيفنا وقد أنزلناه منزلًا كريما. وسقنا إليه رزقا عميما. لعمر الله لئن لم يتدارك هجوه بقصيدة مدح لأغيظنه. وكان هذا الأمير متصفا بصفات العرب في الفروسية والنجدة. وفي شراء الحمد جهده غير إنه كان يكل الأمور إلى المقدور. ولا يهمه ترتيب حاله. والنظر في ماله. ثم خشي من أن يكون هذا الوعيد أدعى إلى زيارة الهجوم إذا فصل عنه الفارياق وهو مغيظ. فرأى أن الإغضاء أجلب للإرضاء. وإن التملق أوفق للتلفق. فمن ثم سار صديقا له من علماء ملته وفضلاء نحلته إن يصنع مأدبة ويدعوه إليها والفارياق وأخاه. فلما جمعهم النادي. وجيء بالحلواء على أطباق كالهوادي. أقسم الأمير قائلًا والله لا أذوقن من هذا شيئا أو ينظم أبو دلامة يعني الفارياق بيتي مديح ارتجالا. فأبتدر وقال بديها.
قد كان طبع أبي دلامة إنه ... يهجو لأن الهجو وفق جنانه
لكنما هذا الخبيص نهاه إذ ... مزحت حلاوته بمر لسانه
فجن الحاضرون استحسانا لهما. حتى الأمير لم يتمالك إن صافح الفارياق وقبله بين عينيه فانعقدت بذلك المواعدة ورجع كل راضيا. وقفل صاحبنا إلى بيته. وآلى إن لا يعقد فيما بعد ناصيته بذنب أحد من كبراء الناس. وإن يسد أذنيه عن صوت صيتهم غلب على الأجراس.
حمار نهاق وسفر وإخفاق
1 / 21