فأمر أيضًا بإحراق الكتاب. وبعث جواسيس في البلد يتجسسون عن مؤلفه ونودي في الروابي والوهاد. ألا من دل على مؤلف كتاب كذا فإنه يجزي أحسن الجزاء. ويرقى إلى رتبة سنية. فلما سمع المؤلف بذلك اضطر إلى الاختفاء مدة حتى نُسي اسمه. فإن قلت أن هذا الفعل خلاف ما وصفته به من الحلم قلت إن عادة أهل تلك البلاد أن الحلم يكون محمودًا في كل شيء إلا في أمرين حرمة العرض وحرمة الدين فأن الأخ ليبسل أخاه إلى الهلكة من أجلهما.
ثم أن الفارياق أقام عند هذا الحليم مدة لم يحصل فيها على طائل. وكانت نفسه عزيزة عليه فلم يرد أن يسأله. فمن ثم جمع ذات ليلة حطبًا وتبنًا كثيرًا وأطلق فيهما النار فانبعث اللهيب نحو مقصورة بعير بيعر، فظن أن النار قد سرت في قصره. فاستوشى القيام والقعود فأقبلوا يتسابقون إلى موضع النار. فرأوا الفارياق يزيدها من الحطب الجزل فسألوه عن ذلك فقال أن هذه النار من بعض النيران التي تنوب عن اللسان. وأن لم يكن لها صورة لسان. وإن لم يكن لها صورة لسان. ومن فوائدها إنها تنبه الغافلين وتنذر الباخلين. أن وراءها لقولًا شديدًا ولسانًا حديدًا. فقالوا ويحك إنما هي من بدعك أو يكلم أحد بالنار. لقد سمعنا إن الإنسان يكلم غيره ببوق أو بقرع عصا أو بإشارة إصبع أو بغمز عين أو برمز حاجب أو برفع يد من عند الإبط. فأما بالنار فبدعة وضلال. وكادوا أن يبدعوه ويكفروه وينسبوه إلى التمجس ويطرحوه النار. لولا أن قال قائل منهم. ردوا الجواب على مرسلكم. ولا تفعلوا شيئا عن تهوك. فلما أخبروه بما رأوا وسمعوا. استرآه واستنطقه عن ذاك الأجيج. فقال أصلح الله المولى. وزاده فضلا وطولا. قد كان لي كيس لا ينفعني ولا أنفعه. والأكياس ولما جاء على وزنها ورويها عادة مخالفة لسائر العادات وهي إنها إذا خفت ثقلت. وإذا ثقلت خفت. فلما خف كيسي في جوارك السعيد أي ثقل أحرقته بهذه النار. وإنما جعلتها عظيمة هكذا لأني كنت أتوهمه كرضوى في جيبي. حتى إنه كثيرا ما منعني عن النهوض والخروج لحاجة مهمة فلما سمع قوله ضحك من خرافته ورضخ له من كفه الجامدة شيئا يقابل ما كتبه له الفرياق في أسفاره في الخساسة. فأقبل يحنبش إلى بيته وآلى أن لا يكتب شيئًا بعد ذلك الإ ما طاب موقعه. وجل نفعه. رجاء إن تكون الأجرة على قدر العمل. وهيهات فإن أكثر الناس نفعًا وشغلًا. أقلهم أجرًا وجعلا. ومن لم يحسن إلا التوقيع. احل المحل الرفيع. ولقمت يده وقدمه كما يلقم الثدي الرضيع.
طعام واِلتهام
1 / 19