ثم سألت نفسها مستغربة علة البكاء شاعرة بالذلة والمهانة والشقاوة: «لماذا أبكي؟»
بكت لأنها بذلت نفسها لسارودين - لأنها لم تعد تلك العذراء النقية الذيل المزهوة الشامخة الأنف - وبكت من جراء تلك النظرة الفظيعة المهينة التي رماها بها أخوها. ولم يكن عهدها به فيما مضى أن ينظر إليها هكذا. وإنما فعل هذا - في رأيها - لأن قدمها زلت فسقطت.
ولكن أوجع ما مر بها من الخواطر وأمرها جميعا هو أنها أصبحت الآن امرأة! وأنها لا يسعها الآن - ما دام لها صباها وقوتها وحسنها - إلا أن تجعل خير ما منحت تحت أقدام الرجال ووقف على إرضائهم، وأنها على قدر المتعة التي تبذلها لهم يكون مبلغ احتقارهم لها.
فسألت نفسها محملقة في ظلام الغرفة: «لماذا يحتقرونني؟ من خولهم هذا الحق؟ أليس لي من الحرية مثل ما لهم سواء بسواء؟ هل قضي علي أن لا أعرف حياة غير هذه وخيرا منها؟»
فقال لها جسمها بلسان الصبا والقوة إن لها الحق أن تقطف من الحياة كل ما هو ممتع وسار ولازم لها، وإن لها أن تصنع ما تشاء بجسمها الجميل القوي الذي هو ملكها وحدها دون سواها.
ولكن هذه الفكرة ضاعت في تيه من الخواطر المختلطة المتضاربة.
الفصل الثامن
ظل «يوري سفاروجتش» مدة يشتغل بالتصوير وكان كلفا يصرف فيه كل أوقات فراغه. ولقد كان يحلم فيما مضى من عمره أن يكون مصورا ولكن الحاجة إلى المال - أولا - ومشاغله السياسية - ثانيا - حالت دون ذلك فصار يعالج التصوير من حين إلى حين على سبيل اللهو وبلا غاية يرمي إليها.
ولهذا السبب - ولأنه ينقصه التدريب - لم يجد في التصوير مسلاة ترضي نفسه. بل صار على عكس ذلك مصدر حسرة ومبعث خيبة. وكان كلما أخفق فيه اكتأب وهاج وإذا وفق فيما يعالجه منه سبح في بحر من التفكير الساهم وتجسم له عبث مساعيه التي لا تنيله لا السعادة ولا النجاح.
وكان يوري قد كلف «بسينا كارسافينا» وكان يؤثر من النساء الطويلة المنسجمة الجميلة الصوت التي تمور عينها بسحر الخيال. وكان يتوهم أنه ما جذبه إليها سوى جمالها وطهر روحها، وإن كان لم يدفعه إلى تعلقها شيء سوى أنها جميلة مرغوبة. على أنه حاول أن يقنع نفسه بأن سحرها الذي يحسه روحي لا جثماني، إذ كان يظن أن هذا أنبل وأرفع، وإن كانت هذه الطهارة العذرية بعينها هي التي ألهبت دمه وأثارت رغبته. وما زال مذ لقيها مساء لأول مرة يحس بحنين قوي وشوق ملح غامض إلى تلويث طهارتها، والواقع أن هذا كان إحساسه كلما رأى امرأة حسناء.
Bilinmeyen sayfa