كان الثاني هو أول من كسر حاجز الصمت الطويل عندما خرج صوته أخيرا وكأنه قادم من أعماق مغارة سحيقة قائلا في مزيج من الدهشة والصدمة والفضول: كيف؟! هل تعني أن كلينا شخص واحد؟!
أجاب الأول بعد أن أطرق برهة ليفكر فيما يمكن أن يرد به على أغرب سؤال وجهه له مخلوق في حياته كلها: لست أفهم شيئا! هل أنت حقيقي أم جن أم ماذا؟!
نظر إليه الثاني في اندهاش - وكأنما لم يدهشه كل ما سبق كما أدهشه هذا السؤال - وأجاب في سخرية وهو يتلمس وجهه بكف يده: والله أنا متأكد تماما من أنني حقيقي، فماذا عنك أنت، هل أنت حقيقي أم أنك جن؟!
عادا للتحديق في وجه بعضهما البعض مرة أخرى، ربما كان كل منهما يحاول استكشاف وجه الآخر للوصول إلى حقيقة تلك الخدعة، كانت التساؤلات الدائرة في ذهن كل منهما في تلك اللحظة متطابقة؛ أين الخدعة؟ أهي مزحة ما؟ هل تكون هذه حلقة من أحد برامج المقالب التليفزيونية السخيفة تلك؟ هل هو حلم؟ أم إيحاء؟ أم هلاوس وضلالات؟ كلاهما كان مرهقا بالفعل لعدة أيام سابقة، ولكن هل يمكن أن يكون قد فقد السيطرة على عقله لتلك الدرجة؟ كانت التساؤلات لا نهائية، وكذلك كانت الاحتمالات، فقط احتمال واحد لم يكن متصورا أو مقبولا لدى أي منهما بأي حال رغم أنه كان - وحده دون سواه - هو الحقيقة، كان كلاهما حقيقيا، وكان كلاهما ياسين عمران بذاته.
نطق الأول هذه المرة حين حلت على رأسه فكرة ظن أنه يمكنها أن تفك هذا الاشتباك فقال: حسنا، ماذا أفطرت هذا الصباح؟
بوغت الثاني بالسؤال ثم ضحك من الفكرة فأجاب ببساطة: أنا لم أفطر هذا الصباح، فقط أخذت بعض القهوة قبل مغادرتي لكي أستطيع التركيز؛ لأنني استيقظت متأخرا وخفت أن يفوتني القطار إن بقيت لتناول الإفطار.
أجاب الأول في حيرة وهو يطرق إلى الأرض: أما أنا فأفطرت جيدا كعادتي عندما أكون مسافرا!
رد الثاني وقد لمعت عيناه بفكرة أخرى: أنا كذلك معتاد على أن أفطر جيدا عندما أكون مسافرا، لكنني كما أخبرتك استيقظت اليوم متأخرا ولم يكن لدي الوقت. اسمع، سأسألك عن أحداث قديمة بعض الشيء، فلنحاول الوصول إلى شيء ما مشترك بيننا يفسر هذا الوضع العجيب.
أجاب الأول في فضول وقد بدأ يتحمس لتلك اللعبة: لا بأس. اسأل.
فكر الثاني لثوان قليلة ثم قال في حماس: حسنا. الامتحان الذي ضبطت فيه متلبسا بالغش.
Bilinmeyen sayfa