مدخل إلى صلاح لبكي
في مؤملي الذي يكاد يتقادم عهدا أن أقول في صلاح لبكي بعض العجب. فأية شيمة من شيم هذه الريشة الحلوة التي لا تهيب بي إلى كتابة طرفة، سواء داعبت الشعر، أو قصت القصص اللبناني، أو زأرت تحمي الجبل؟
ترى هي واحدة من أحلامي، تراودني في سويعات من العمر نوادر، بمشيق قد، ومحرور جسد، ونقل خطا في البال، عن أطيب من نغم القصب؟
ولكن هل يفسح لي أن أطيب قدر ما أشاء، ويعدل المقدور مرجوا؟
لأن تحيا نتاج هذا الشاعر عطية، ولأن تتوفق إلى التكلم على طربك لبثه الحنون، تمرس بتذوق البساطة. والبساطة آلهة عبادتها وجع وجزع!
لتقول ماهية هذا الشعر، عليك أن تطلع إلى العالم الأبجدي واحدة القلم في زنة القيم اللطاف، وإضاءة ما لم يفضح، ومس الحسن بإبهام، وسبابة.
ولأن شعر صلاح لبكي حبل به في سكون، تروح تتساءل: كيف لا يحبس القول فيه كأنما المتحدث عنه، ذاك الذي تعود سكر الناس، سئم عمله فقال: هذه المرة سأسكر أنا؟!
قصيدة صلاح ما صيغت صوغا فتلاحقها مستنطقا تأخذ عنها كيف رصف المداميك بصرامة، ولكنها نمت كالبنفسج والبيلسان. فهنا خواطر لم تعالج، واحدة تلو أخرى، بإزميل، ثم تركب موقتا في مكانها من البناء، تقيم كجزء من كل، ثم تنتزع؛ ليعاد النظر فيها، ولا تركز نهائيا إلا بعد أن تقول الأفق المنحني عليها في ذهول: «للجمال بدونها غير جمال!»
لا، فالكل في هذا الشعر كان - كما لو أمكن - جملة، يا صاح، حتى لكأن القصيدة اللبكية كالحب الكبير، تشعر أنك تجدف على قدساته حين تزعم أنه بني تباعا من ضمة حرى سنحت تحت ياسمينة، فمن قبلة خطفت عند مقعد، فمن تلهف في وحدة تؤنسها الذكريات! أما الحب الأشبه بشعر صلاح، فهو حبك العظيم الذي كان لك قبل أن تكون، والذي جاءت الأرض إلى الوجود من أجله، تفرش سندسها لك، ولحبيبتك مكان موعد !
ولأن صلاح لبكي شاعر في كل شيء، لا أستجيز لنفسي أن أحدثك عنه كإنسان. فالناثر فيه يضرب أبدا في مقلع الحسن، والسياسي يأبى إلا أن يتدخل في إقصاء البشاعة؛ فإذا كل إرادة من إراداته قصيدة.
Bilinmeyen sayfa