ولم نزل من أمرنا على غمة ، ومن دهرنا في ليال مدلهمة ، لا نعرف لمآلنا قبيلا من دبير ، ولا نجد لما تتشوفه من الخبر من يقول على الخبير. حتى وافت البشائر ، ونصبت للتهاني الأشائر ، بأن قد أقلع ذلك السحاب ، وجاء من ألطاف الله تعالى ما لم يكن في الحساب ، وصفت الأحوال ، وسكنت الفتن ، فسكن الفؤاد عند ذلك واطمأن. وأخذنا في أهبة السفر مستبشرين بالنيل والظفر ، زاعمين أن في وصولنا إلى تلك الدار أمنا من شوائب الدهر والأكدار ، والقضاء يقول من مكمنه : قد يؤتى الحذر من مأمنه.
ليت الذي علق الرجاء به
إذ لم يجد للصب لم يجد
ولما أهاب بنا من البين داع ، وآن أوان الارتحال والوداع ، كتبت إلى والي مخا السيد المقدم ذكره وكان قد عاد من حضرة مخدومه إلى خدمته بهذين البيتين :
مددت إلى التوديع كفا ضعيفة
وأخرى على الرمضاء فوق فؤادي
وهذان البيتان أنشدهما أبو المعالي عزيزي بن عبد الملك (1) قال أنشدنيهما والدي عند خروجه إلى الحج.
فكتب إلي السيد المشار إليه قول أبي الطيب (2):
يا من يعز علينا أن نفارقهم
وجداننا كل شيء بعدكم عدم
ثم ودعناه توديع الولد للوالد ، ولقينا من فراقه ما هان معه الطارف
Sayfa 106