بل وأشد من ذلك أنه وشي به في عهد المتوكل أنه يأوي علويا ، قال حنبل : ( فبينا نحن ذات ليلة نيام في الصيف سمعنا الجلبة ورأينا النيران في دار أبي عبدالله ... ثم فتشوا منزل أبي عبدالله والسرب والغرف والسطوح وفتشوا تابوت الكتب وفتشوا النساء والمنازل فلم يروا شيئا)(1)، ما أشده على النفس ، إمام المسلمين في عصره ، يفتش منزله وحريمه في منتصف الليل ؟! فهل جعل ذلك حجة له في ثلب السلطان والكلام عليه على المنابر وعصيانه؟ والجواب : لا ، بل كان يدعو له سرا وجهرا ، ونحن في زماننا هذا يفتش أحدنا أو يوقف للتحقيق يوما فتقوم الدنيا ولا تقعد ، ويصبح مجاهدا وبطلا وضحية ويتخذ من ذلك حجة للخروج عن هدي السلف وإضعاف هيبة السلطان في أعين الناس وتجريئهم على العصيان بحجة نصر الدين والسنة وأشياء أخرى تدل على قصور في العلم وقلة في الفقه ، لأن السلطان أمين على الأمة ، وهو سيف مسلول على اللصوص وأهل الفساد والعبث والأعداء الخارجيين ، فإضعاف صورته ومنصبه إضعاف للأمة في الحقيقة .
2. لا تنتصر دعوة بالإحباط واليأس :
الذي يقرأ أخبار الفتنة بتمعن وتصور يدرك شدتها ووطئتها على النفوس في ذلك العصر ، بدعة كفرية يحمل الناس عليها ، ويقتل المخالف أو يعذب ، والغالبية العظمى من العلماء تتخلى عن الصدع بالحق وتلجأ إلى التقية ، ويمنع أي سلفي من التدريس والإفتاء ، فكيف بالله عليك تتوقع نفوس أهل الحق وخصوصا الناشئة ، وماذا تراه فعل الإمام أحمد ؟ .
هل تخاذل وقال : هلك الناس ؟ هل قال : إن الناس أنفسهم أقوام سوء ومن أراد الحق عرفه ؟ هل لجأ إلى الترخص بالتقية كما فعل غيره ؟
Sayfa 29