Selahaddin Eyyubi ve Çağı
صلاح الدين الأيوبي وعصره
Türler
ولكن لا بد لنا من شيء من الإطالة عند ذكر ملوك ثلاثة جاءوا متأخرين بعد هذه الوفود يلبون دعوة المستصرخين وهم: الإمبراطور «فردريك» المعروف بلقب «برباروسا» إمبراطور الدولة الرومانية المقدسة ويسميه العرب ملك الألمان، والملك ريكارد «قلب الأسد» ملك إنجلترة ويطلق عليه العرب اسم «الإنكتير أو الإنكتار أو الإنكلتار» و«فيليب أوجوست» ملك فرنسا ويطلق عليه العرب اسم «الفرنسيس ». أما فردريك فقد كان إمبراطورا على دولة عظيمة تشمل ولايات ألمانيا من الشمال وبلاد نهر الرين من الغرب وإيطاليا من الجنوب، وكانت في بلاده مشاغل كثيرة أكبرها مسألتان عظيمتان: الأولى نضاله مع أمرائه الإقطاعيين، والثانية نضاله مع الرئيس الديني وهو البابا. وقد نجح فردريك نجاحا لا بأس به مع أمراء ألمانيا الذين كان نفوذهم - قبل توليته - زاد زيادة تضاءل إلى جانبها سلطان الإمبراطور، وبعد نضال دام سنين طويلة أمكنه أن يعلي اسم الحكومة المركزية ودان له أكبر أمراء الدولة. ولكنه لم يلق مثل هذا النجاح في نضاله مع البابا؛ فقد أدى النضال إلى حرب كان سجالا بين الجانبين، وانتهى أمره بأن سوى الأمر وتصالح الرئيس الديني مع الرئيس الدنيوي، وكان من شروط الصلح أن يتفق الاثنان على من يعاديهما.
صورة الإنكتار (ريكارد ملك إنجلترة).
ولعل أكبر من كان عدوا في نظر البابا ونظر هذا العصر هو الإسلام حيث كان سواء في الشرق أو في الغرب، فكان الإمبراطور يحب أن يقوم إلى حرب المسلمين؛ لكي يعلي من شأن نفسه ويزيد من هيبته وسلطانه، وكان البابا كذلك يحب أن تنصرف قوة الإمبراطورية إلى حرب دينية يصدر الناس ويردون فيها عن كلمته هو إذ كان لا يدفع ولا ينازع في رئاسة الدين.
صورة الفرنسيس (فيليب ملك فرنسا).
ألا يلمح الإنسان في هذه الحرب الصليبية دافعا غير الدين والحماسة له والإخلاص للجهاد في سبيل المسيح؟ إنا لا نستطيع أن نتجاهل الفرق العظيم بين الحالة النفسية في عصري الحملة الأولى والحملة الثالثة؛ فقد قامت الحملة الأولى تلبية لدعوة ألكسيوس إمبراطور الدولة الرومانية الشرقية، وهو مخالف لغرب أوروبا في الدين، ولكن حماسة العصر وفكرة الدين غلبت كل شيء في سبيلها.
وأما الحرب الثالثة فلم تكن بنت حماسة مثل الحماسة الأولى بل دخلتها عناصر دنيوية أخرى.
وها نحن نرى للبابا غرضا من تشجيعها وللإمبراطور كذلك غرضا غير وجه الدين والدفاع عنه.
وأما «الإنكتار» ريكارد فقد كان ملك إنجلترة ولو أنه لم يقم في تلك البلاد، ويسميه قومه بالملك الغائب، وكان من سلالة امتزج فيها دمان: الأول دم النرمان أبناء وليم الفاتح الذي غزا إنجلترة في القرن الحادي عشر، والثاني دم الفرنسيين أمراء إنجو.
وكان هناك في ذلك الوقت نضال كبير بين ملوك إنجلترة وملوك فرنسا على كثير من ولايات فرنسا؛ كل منهما يدعي فيها حقا، ولكن في مدة «فيليب أوجست» وريكارد بدأت كفة فرنسا ترجح، وجعلت إنجلترة تسير في أول طريق نموها الطبيعي وهو تكوين قومية منعزلة في جزائرها وإنماء نظامها الدستوري تدريجا على يد أمرائها الذين بدءوا يعدون إنجلترة بلادهم بعد أن كانت نظرتهم إلى فرنسا أولا أنها منشؤهم ووطنهم، وكان ريكارد من أشجع الناس على أنه كان من أغلظهم كبدا، ولم يكن بالقديس ولا الذي يعبأ بأمر الدين كثيرا، فذهب إلى الحرب الصليبية محاربا بيده (بلطته) أو رمحه ومعه رماته وفرسانه وهم يلتمسون جميعا في الشام النصر والمجد الذي التمسه أجدادهم في ميادين أخرى. ولكن ميدان ذلك الوقت كان مع المسلمين في الشام.
وأما «الفرنسيس» (فيليب أوجست) فقد كان من سلالة الأسرة الفرنسية الكبيرة التي أولها «هيوكابيه»، وقامت في فرنسا على أنقاض دولة أبناء «شارلمان»، وكانت مدة أسرة «هيوكابيه» يشغلها نضال دموي بين الأمراء الإقطاعيين وبين بيت الملك، وكان الانتصار في أول الأمر للأمراء حتى لم يكن للأوائل من بيت «كابيه» إلا ملك اسمي، ولكن بدأت الكفة ترجح إلى جانب الحكومة المركزية، وأخذ الملوك يزيدون من نفوذهم وملكهم حتى جاء فيليب أوجست فكان من أكبر من عملوا على إضعاف شوكة الأمراء وزيادة نفوذ الملك. وكان انتصاره على أمرائه بفرنسا وعلى منازعيه ملوك إنجلترة مما جعله من أكبر ملوك أوروبا الذين توجه إليهم الدعوات إذا أزمة أزمت؛ ولهذا قام فيليب إلى نصرة الصليبيين بالشام بعد أن هدأ له الأمر في داخل بلاده، غير أنه ما كان ينظر إلى الحرب إلا نظرة ملك عظيم يجب عليه ألا يتخلف عن مهمة تحرك لها غيره من العظماء، ولن يلبث أن يعود إلى بلاده التي كانت في نظره محل أداء واجبه وليس بلاد الشام.
Bilinmeyen sayfa