إن «أوموارو» اليوم تتحدى قدرها .. هل يوجد رجل أو امرأة في «أوموارو» لا يعرف «أولو» الإله، الذي يدمر الإنسان في أحسن حالاته؟ .. إن بعض الناس ما زالوا يتحدثون عن شن حرب ضد «أوكبيري» .. هل تعتقدون أن «أولو» سيقاتل معكم؟ .. إن العالم في اضطراب عظيم، وإذا ذهبت للحرب لمجرد الانتقام من شخص ما لعن أمك وأباها فستتلوث بالفساد والعفونة، ولن يتبعك «أولو»، «أوموارو» .. أحييكم.
انتهى الاجتماع وساد اضطراب .. انقسمت «أوموارو» إلى مجموعتين .. تجمع الكثير من الناس حول «إيزولو» مؤكدين وقوفهم بجانبه ومساندته، بينما ذهب آخرون إلى «واكا» الذي عقد اجتماعا آخر في بيته في نفس الليلة، وقرروا فيه حتمية سقوط رءوس أربعة من «أوكبيري» كي يستقر الأمر .. أكد «واكا» على ألا يحضر أحد من «أومواشالا» قرية «إيزولو» إلى ذلك الاجتماع المسائي.
قال «واكا»: لا يجب على «أوموارو» السماح لنفسها بالسير تحت قيادة رئيس كهنة «أولو» .. لم يخبرني أبي بأن على «أوموارو» أن تأخذ الأمر من كاهن «أولو» قبل الدخول في الحرب .. إنه يحمل تعاليم الإله ويعمل على إنجاز الطقوس الدينية وحمل القرابين .. هذا كل ما في الأمر .. لكنه ليس ملكا .. إنني أراقب هذا «الإيزولو » منذ سنوات وأعرف أنه رجل طموح .. إنه يطمع في أن يكون ملكا وكاهنا وعرافا .. يريد كل شيء .. إنه مثل أبيه تماما كما يقولون .. يجب على شعب «أوموارو» أن يقولوا له بأن شعب «إيبو» يعلم تماما بعدم وجود ملوك، ولقد حان الوقت لقول ذلك لابنه أيضا .. نحن لسنا ضد «أولو»؛ فهو الذي لم يزل يحمينا، مع أننا لم نعد نخاف من أبطال «آبام» في الليل .. لن أعيش حتى أرى بعيني ذلك الكاهن الذي اختاره يجعل من نفسه ملكا علينا .. لقد حدثني أبي عن أشياء كثيرة لم يكن من بينها أن «إيزولو» سيكون ملكا في «أوموارو» .. من هو على أية حال؟ هل دخل أحدكم بيته من البوابة؟ .. إذا قررت «أوموارو» أن يصبح لها ملك فنحن نعرف من أين سيأتي .. متى أصبحت «أومواشالا» عاصمة للقرى الست؟ .. إن الغيرة كانت منتشرة بين القرى الكبيرة كما نعرف، مما جعلهم يختارون الكاهن من أضعف القرى، سوف نقاتل من أجل أرضنا ومن احتقار «أوكبيري» لنا .. لن نستمع إلى أي شخص يحاول إثارة مخاوفنا باسم «أولو» .. إن إرادة الرجل فوق كل شيء. ولقد سمعنا عن كيفية تعامل شعب «أنينتا» مع الإله الخاص بهم عندما فشل معهم .. ألم يأخذوه إلى الحدود الفاصلة بينهم وبين جيرانهم وأشعلوا فيه النيران؟ .. أحييكم.
كان «آفو» هو اليوم الذي اشتعلت فيه الحرب .. قتلت «أوموارو» رجلين من «أوكبيري»، وكان «كوا» هو اليوم التالي، فتوقف القتال، لكنه في اليومين التاليين «إيك» و«أوي» اشتدت ضراوة الحرب فقتلت «أوموارو» أربعة رجال آخرين مقابل ثلاثة قتلتهم «أوكبيري» كان أحدهم أخا ل «أكوكاليا» يدعى «أوكوي» .. أصبحت الحرب في اليوم التالي أكثر عنفا، فسارع الرجل الأبيض «وينتابوتا» بإحضار جنوده إلى «أوموارو» لإيقاف الحرب .. ألقت «أوموارو» أسلحتها دون أي مقاومة، وما زالوا يقصون حكاية هؤلاء الجنود وما فعلوه بفزع، ويقولون بدون خجل إن موت «أكوكاليا» كان أخذا بالثأر، وإنهم ضحوا من أجله بثلاثة رجال آخرين كي يستريح في موته، كان «إيكونزو» إله الشر وراء موت «أكوكاليا» وأخيه في نفس النزاع.
لم يتوقف الرجل الأبيض عند إيقاف الحرب، ولكنه جمع كل الأسلحة في «أوموارو»، وأصدر أمرا للجنود بتكسيرها في وجههم، فيما عدا ثلاث بنادق أو أربعا احتفظ بهم، ثم عقد محاكمة بين «أوموارو» و«أوكبيري» انتهت بحق «أوكبيري» في الأرض المتنازع عليها.
الفصل الثالث
كان الحر شديدا طوال الشهر أو الشهرين الماضيين، فاحترق العشب واصطبغت أوراق الشجر بلون الأرض الأحمر الداكن. ولم تكن ثمة فرصة للانتعاش سوى ساعتين فقط في الصباح، قبل أن تتحول الرءوس والرقاب إلى جداول من العرق. كان أكثرها إثارة للغضب والضيق هو ذلك العرق المتصبب خلف الأذن وكأنه ذبابة تمشي .. عند هبوب الرياح الباردة لحظة الغروب كان ثمة إحساس آخر بالانتعاش المؤقت. غير أن هذه الرياح المخادعة كانت بمثابة خطر كبير على أفريقيا؛ حيث كان الأوروبيون المستهترون يتعرون أمامها فيصيبهم المرض.
ها هي أمطار أول العام تواصل السقوط بينما الكابتن «وينتربوتوم» واقف في إحدى شرفات بيته الأرضي الكثيرة يراقب أحداث الشغب.
لم يعرف الكابتن «وينتربوتوم» النوم منذ توقفت الرياح الباردة الجافة فجأة في ديسمبر وها هو منتصف فبراير .. أصبح الكابتن شاحبا ونحيفا، وكانت الحرارة ما تزال قوية غير أن قدميه كانتا باردتين. وكان من الأجدر له أن يكون الحمام ساخنا حتى لا يصيبه سوء، لكنه في كل صباح كان يفضل الحمام البارد، ثم يتطلع إلى المرآة فيرى لثة أسنانه أكثر بياضا .. ربما كانت نوبة أخرى من الحمى .. في المساء كان مضطرا لحبس نفسه داخل الشبكة التي تمنع الناموس حتى في وجود هواء بالخارج، فكان يتصبب بالعرق وتصير الوسادة كحوض مليء بالمياه، لكنه سرعان ما كان يستيقظ بعد إغفاءة قليلة على إثر دقات الطبول القريبة، وعندئذ كانت تنتابه الدهشة من تلك الطقوس التي يمارسونها ليلا في الغابة .. ترى هل هي ضربات قلب الظلام الأفريقي؟
أصابه الذعر ذات ليلة عندما كان راقدا في الليل، ولم يقرعوا الطبول لكن دقات الطبول كانت تتخلل مسامعه من نفس المسافة .. هل كانت مجرد دقات رأسه الساخن؟ .. هذه الأرض القديمة المثيرة للكوابيس!
Bilinmeyen sayfa