صاحب هذا القصر الفخم الذي تسمع منه أنغام «البيانو» كان يقطن دارا حقيرة في إحدى محلات بغداد الحقيرة، وليست أثاث الدار سوى «الجاون والميجنة والتنور والكوارة ودولاب الغزل والمرفع»، وهذا الذي يجتاز شارع الرشيد بسيارته ذات القمارة، وهو مختال فخور، ينظر إلى الناس كأنهم الذباب، لم يكن سوى ذلك الذي كان يتحسر على «الدشداشة الزركة»، ويشماثه يحتوي على الدهن ما يكفي إلى قدر من التمن، وقدميه الحافيتين كانت تتحسر على زوج يمني من سوق الأسكجية.
وهذا الذي تراه يتناول البيفتيك بالشوكة والسكين في «أوتيل متروبول»، ويكرع أقداح الويسكي والبيرة لم يكن سوى صاحبنا الذي كان يأكل طعام الغداء بشاهيتين من «مخوخ» سوق الغزل.
نالت هذه الجريدة الفكاهية رواجا في البلد، وكان لها تأثيرها في الأوساط المسرحية والملاهي والفنادق.
وهي الجريدة العراقية الوحيدة التي أصدرت عددا خاصا عن «مصايف لبنان»، وبوفاة الكاتب سنة 1938 غابت جريدته إلى الأبد.
كتاب هزلون آخرون
وقد عالج الكتابة الهزلية كتاب آخرون بينهم من كان يتحلى بثقافة وأدب نظير «خلف شوقي الداوودي» صاحب مجلة «شط العرب» في البصرة، واسمه المستعار «ملا ناصر الدين»، ولكنهم لم يبلغوا مكانة «حبزبوز» ومنهم «عبد القادر المميز» الذي كان يوقع «أبو حمد»، وتسنى له أن يصدر جريدة بهذا الاسم فترة من الوقت.
ووجد شاعر عامي ذو شخصية في أزجاله يصف مجتمعه وجيله بما لم يبلغه الشعراء الفصحاء في عهده، بلهجة عامية وبتعابير وأمثال عامية أيضا، هو «المنلا عبود الكرخي».
ولما رأى أن لشعره العامي تأثيره في طبقات الشعب احترف الصحافة وأصدر جريدة باسم «الكرخ» في 10 كانون الثاني (يناير) سنة 1927، أفضل ما كان فيها قصائده، وأسس مطبعة خاصة لجريدته، مما عجز عنه بعض الكتاب والصحفيين الجديين، ولكنه لم يحسن إدارة المطبعة، ولا استطاع أن يثبت في عالم الصحافة مع أن جريدته كانت تصور الطبقة العامة أدق تصوير، سواء بما ينشره فيها من قصائده بالمناسبات أو بمقالات اجتماعية ووصفية أخرى بلهجة عامية.
إبراهيم صالح شكر
وهناك كاتب فذ في لهجته وأسلوبه أشغل حيزا بارزا في عالم الصحافة أو الكتابة الصحفية في العراق ، وإن لم تكن له جريدة يومية كبرى، هو إبراهيم صالح شكر، لم يكن هزلا في مقالاته، بل ساخرا ومتهكما، ثم منتقدا لاذعا ومصورا بارعا، خلق موهوبا في فنه الكتابي، تتلمذ في أول نشأته على قراءاته لبعض بلغاء الكتاب والناقدين المصريين أمثال أحمد فؤاد «صاحب الصاعقة» وفهيم قنديل «صاحب عكاظ»، ومال إلى دراسة روائع الأدب العربي القديم، وأولع بالأسلوب الرصين والألفاظ المجلجلة، واقتبس فصحاء المنشئين القدماء والمحدثين، فأصبح كاتبا بليغا ومنشئا مبدعا.
Bilinmeyen sayfa