والذي يدل على صحة ما ذهبنا إليه أنه لا يخرج التكليف عن كونه تكليفا لما لا يمكن - وذلك لا يجوز على الله سبحانه - إلا بما قلناه، وتقدير أصحابنا رحمهم الله أنه يجب تقديم الأمر على المأمور به لوقت واحد بعيد؛ لأنه يجب على ما بينا تقديمه عليه بأوقات كثيرة تتسع للنظر في الأمر في حصول العلم بعد التجويز وقصد الفعل ليؤديه على وجه المراد.
واختلف أهل مقالتنا هذه: هل يجوز تقديمه عليه بأكثر من الأوقات التي يتمكن فيها من تأديته على ما أمر به أو لا يجوز؟
فذهب البغدادية إلى أنه لا يجوز تقدمه أكثر من الأوقات التي ذكرنا.
وذهب البصريون إلى أنه يجوز بأكثر من ذلك على قدر ما يراه الحكيم سبحانه، وهذا الذي كان شيخنا رحمه الله يختاره وهو الذي نعتمد.
وجه ما قلناه: أنه لا يمتنع أن يكون في ذلك مصلحة للمتعبدين بأن يوطنوا النفوس على احتماله، ويهيئوا الآلات المسهلة لفعله، ويكونوا أقرب إلى التزامه، كما ذلك في الآلة والقدرة.
مسألة:[الكلام في الأمر إذا ورد بأشياء على وجه التخيير]
الأمر إذا ورد بأشياء على وجه التخيير كالكفارات الثلاث مثلا.
فالمروي عن الفقهاء أن الواجب واحدة لا بعينها، وهي التي يعلم الله تعالى أن المكفر إن كفر لم يكفر إلا بها.
وذهب أبو علي، وأبو هاشم إلى أن كل واحدة منها واجبة على وجه التخيير.
وحكى الشيخ أبو عبدالله عن أبي الحسن رحمهما الله تعالى أنه كان ربما نصر القول الأول، وربما نصر الثاني، وكان شيخنا رحمه الله يذهب إلى أن الكل واجب على التخيير وهو الظاهر من مذهب أصحابنا، وهو الذي نختاره.
ويتعين الخلاف بين المذهبين في من حنث في يمينه، ثم حلف ثانيا ما العتق واجب عليه، ثم كفر بالإطعام مثلا فعندنا يحنث، وعند الفقهاء لا يحنث، وكذلك لو كفر بالعتق والمسألة بحالها حنث عند الجميع، عندنا لأنها إحدى الواجبات عليه؛ وعند الفقهاء لأنه انكشف بفعله له أنه كان الواجب عليه.
Sayfa 45