تشييده دور العلم والمعاهد الدينية
وأخذ بعد عودته من المنفى في تشييد وترميم الكنائس والأديرة، وأنشأ جملة قصور بها وزين الكاتدرائية الكبرى بأبدع النقوش وأجمل الصور الكنائسية.
وقد أنشأ عدة مدارس للبنين والبنات وله اليد الكبرى في إنشاء مدرسة الفنون والصنائع ببولاق، وكلية البنات، ومعظم نفقات هذه المشروعات النافعة المفيدة كانت من جيبه الخاص ويقال: إنها تزيد عن السبعين ألف جنيه وفضلا عن ذلك فقد اشترى للبطريركية ما يزيد عن الخمسماية فدان من أجود الأطيان، واشترى أيضا السراي الكائنة بمهمشة، وشاد جملة عمارات للاستغلال فنما بذلك إيراد البطريركية نموا كبيرا إذ بلغ ستين ألف جنيه في السنة، بعد أن كان في أول عهده خمسة آلاف جنيه فقط.
وقد عمل على نشر العلوم الدينية، فبعد أن لم يكن يوجد في أول عهده إلا رجل واحد يقدر أن يرقى المنابر للوعظ والخطابة، وهو المتنيح الأيغومانس فيلوتاؤس أصبح الذين يقدرون على الوعظ والخطابة يعدون بالمئات، ووجدت في عهده عدة مجلات دينية بعضها للدفاع عن العقيدة الأرثوذكسية، وبعضها لنشر العظات والمقالات الحاضة على الفضيلة وتجنب الرذيلة، وأيضا مجلات علمية وجريدتان قبطيتان سياسيتين يوميتان هما جريدتا «مصر والوطن»، وفي عهده أيضا أصلحت أديرة الرهبان بالجبلين الغربي والشرقي، وتعين لها الرؤساء والأساقفة فازداد عدد الرهبان، ووجد منهم كثيرون من المتعلمين؛ فلذا أمر غبطته فأنشئت لهم المدارس الأكليريكية لتثقيف عقولهم، فتأسست لهم المدارس، أولا مدرسة بالإسكندرية يتعلم فيها عدد معلوم من رهبان الأديرة الأربعة بالجبل الغربي، ثم أنشئت أخرى بدير المحرق لتعليم الأذكياء من رهبان ديري الأنبا أنطونيوس والأنبا بولا، وهذه المدارس الثلاث أعظم واسطة لتخريج رجال منهم يليقون أن تسند إليهم الوظائف الرئيسية، وحبذا لو أنشئت مدارس أخرى في أنحاء القطر إذن لكانت الفائدة كبرى والنتيجة عظمى.
ولقد أنشأ غبطته بالدار البطريركية كتبخانة جمع فيها سائر الكتب القديمة المخطوطة، التي تحسب آثارا للعصور الغابرة، وفي عهده ارتقت الطائفة في سلم مراتب الشرف إلى درجة تسر المحبين، ونمت ثروتها العمومية نموا كبيرا، وفي عهده أيضا تأسس المستشفى القبطي الكائن في أعظم بقعة صحية في شارع عباس بالقاهرة، وهو يعد من مستشفيات الدرجة الأولى من حيث ضخامة البناء وجودة الهواء، وتوفر الأدوات الطبية وانتقاء نطس الأطباء كما أوجد لهذا المستشفى صيدلية «أجزخانة كاملة» الأدوية خاصة به، وانتقى لها أمهر الصيدليين القانونيين وقد صرف على إنشائها مبالغ طائلة وبالإجمال نقول: إن عهد غبطته قد تبلج في أفقه الرقي والعرفان وسعادة الطائفة بلا شك ولا جدال.
الاحتفال الفخم باليوبيل الذهبي الخمسيني لغبطته
وقد احتفل الشعب المصري عامة والأقباط خاصة بيوبيل غبطته الخمسيني الذهبي أي: مرور خمسين عاما على تبوئه كرسي البابوية، وذلك في يوم السبت الموافق 3 فبراير سنة 1923 / 23 بابه سنة 1640ق احتفالا لم يسبق له مثيل، حيث أقيمت الزينات الفخمة وأنيرت الثريات والمصابيح البهجة داخل الدار البطريركية وخارجها، وألقيت الخطب والقصائد ووفد الكبراء والعظماء، وكل ذي حيثية ومقام يهنئون غبطته، ويتقبلون دعواته يعلوهم البشر والسرور، والبهجة والحبور، مكررين الدعاء بحفظ ذاته الكريمة فكان يقابلهم غبطته ببشاشته المعهودة مباركا إياهم داعيا لمصر وبنيها بالعز والرخاء، وقد وزعت الصدقات ونحرت الذبائح، ووزعت على الفقراء والمساكين، فانطلقت ألسنتهم بالدعاء للعزة الإلهية أن تطيل حياة هذا الراعي الصالح، والأب التقي الورع لخير أمته وسعادة طائفته التي نالت الرقي الحقيقي بفضل طهارته وصلاحه وتقواه، التي أصبحت أشهر من نار على علم.
غبطة البابا بملابسه الكهنوتية الرسمية.
وفي صباح يوم الأحد 4 من الشهر المذكور أقيم قداس حبري عظيم بالكنيسة المرقسية الكبرى حضره عموم عظماء وكبراء الطائفة.
هذا ولسمو مركزه الديني قد أهداه أكثر الملوك وسامات الشرف، خصوصا سلاطين آل عثمان وسمو الخديوي السابق عباس باشا حلمي الثاني، أما جلالة الملك يوحنا ملك الحبشة فقد أهداه تاجا مرصعا بأنواع الجواهر الثمينة، وصليبا مرصعا بالياقوت والجواهر الغالية.
Bilinmeyen sayfa