والمسجون الوحيد الذي لم ينبسط على الرغم من أنه كان أحق السجناء بالانبساط هو سيد عبد الغني.
وكان سيد عبد الغني فلاحا من إحدى قرى المركز جيء به مقبوضا عليه في تهمة قتل شيخ الخفراء وإلقاء جثته في الترعة، وتسلمت أنا أمر القبض، ورفعت رأسي لأرى الضيف الجديد فوجدت أمامي شابا في مقتبل العمر سليم البنية لا يقل جسمه رشاقة عن أي نجم من نجوم السينما الذين نراهم على الشاشة، كان جلبابه نظيفا، ووجهه نظيفا، ومع جمود ملامحه وسكون وجهه عن أي تعبير فقد كانت عيناه تنطقان بكل معاني القوة والاعتداد.
وملأت خانات دفتري كما أملاني هو بنفسه ... حتى رقم القضية ...
سيد عبد الغني ... فلاح ... سن 22 سنة من قرية ... مركز ... التهمة قتل أمر حبس رقم ... لمدة أربعة عشر يوما، وألقيت نظرة على أمر الحبس فإذا بسيد لم يخطئ في حرف واحد، وقلت في دعابة: «لكأنك معتاد على القضايا يا سيد؟»
وأجابني في صوت جاد لا خشونة فيه: هذه أول مرة أتهم فيها وأحبس. - أتكون أول مرة لك هي القتل؟ - لم أقتل شيخ الخفراء لعنة الله عليه. - أولا تستطيع أن تخفي عواطفك؟ على الأقل لتبرر إنكارك للتهمة؟
وأجابني بنفس الجد والهدوء: ولم أخفي عواطفي؟ لقد كنت أكرهه وتشاجرت معه قبل مقتله بيومين ... كنت أتمنى لو أني قتلته لكنه أفلت من يدي.
ولم أعن بسؤال سيد عن تفصيلات قصته مع شيخ الخفراء، وإن كنت قد أحسست أني أميل لتصديقه ... كان في صوته رنة تبعث علي الثقة به.
ومضى سيد بصحبة الشاويش عبد ربه والحارس الذي أحضره من النيابة إلى السجن ... وانصرفت أنا إلى عملي.
ومرت أيام كان سيد يذهب في كل يوم بصحبة حارسه إلى النيابة، ويعود منها بعد التحقيق ... وكدت أنسى كل شيء عنه ... حتى جاءني بعد أسبوع ومعه حارسه، وقدم إلي الشاويش عبد ربه أمرا بالإفراج عن سيد عبد الغني.
ولا أدري لم أحسست بالارتياح؟ كأن الأمر يتصل بإنسان أحبه، وأغلب الظن أن سيد نفسه قد لحظ ارتياحي، فقد قال وأنا أملأ خانات دفتر السجن: «والله أنا زعلان يا بيه علشان حاجة واحدة ... أنني لن أرى وجه حضرتك تاني.»
Bilinmeyen sayfa