وغلبه الارتباك، وتمتم بألفاظ التحية المعتادة في اضطراب، وتحركت يداه تشيران إلى المقعد، ولكنها سألته في عجلة: الأستاذ وصفي ليس موجودا الآن، قال لي ذلك الخادم، وإن كانت سيارته تقف أمام باب العمارة، لا يهمني ذلك، وإنما أريد أن أكلفه بعمل، أنت تعرف أنه محام.
ولم يكن يعلم، ولكنه أجاب: أعرف ذلك ...
قالت: أريد أن يبعث إنذارا لصاحب العمارة التي أقطن بها ... هل من الضروري أن أقابل الأستاذ لذلك؟ ... أظنك تستطيع أن تقوم لي بهذا العمل ...
ولم تنتظر إجابته، وإنما أخذت تشرح له ما تريد ... وكتب لها صورة الإنذار الذي تطلبه، وأمر الخادم فحمله إلى الكاتب ليكتبه على الآلة الكاتبة ...
حدث كل ذلك في أقل من نصف ساعة ... ونهضت ماجدة وحيته شاكرة وانصرفت، وبقي هو وحيدا ... وحيدا مع بقايا عطرها القوي يملأ رئتيه، وصوتها العذب يملأ أذنيه ... أما عقله فقد كان غارقا في عشرات الأفكار الغامضة، كان هذا أول منظر ... نستطيع أن نسميه النظرة الأولى ... النظرة الشاردة لا تحمل معنى من معاني الحب كما يفهمه الشعراء أو الكتاب ... هو نفسه لم يكن يجرؤ أن يقول إنه أحبها ... بل لعله ضحك لفكرة من أفكاره الغامضة ... فكرة قضاء ساعة مرحة مع ماجدة في نزهة بالسيارة، إن المنظر الثاني يحدث بعد ذلك بأيام ... من المدهش أن يكون هذا المنظر هو فكرته الغامضة نفسها التي ضحك منها.
أبواق السيارات ترسل أصواتها القوية من شارع قصر النيل، وكأنها في مباراة للإزعاج ... وهو يسير وحده يتأمل واجهات المتاجر ... وقف عند إحداها يطيل النظر، راقه رباط رقبة بديع فوقف يفكر في المغامرة؛ مغامرة شرائه وحمله إلى المنزل، وصوت زوجته وهي تقول في عتاب: «كرافتات ثاني ... ألا تشبع كرافتات؟» ويهم بالدخول.
ويرتفع صوت بوق سيارة يعلو على بقية الأصوات ويدوي بلا انقطاع، وكأنه ينادي أحدا ... يدير رأسه فيراها هي ... ماجدة تضحك، وقد وضعت يدها على عجلة القيادة، وكفت عن إطلاق البوق، وتصيح به وهي تضحك: ماذا؟ أذنك ثقيلة إلى هذا الحد؟
ويقترب منها محييا، ولعله اضطرب للمفاجأة، فهي التي تكلمت ثانيا: ماذا تفعل في هذا الشارع؟ - لا شيء ... أقطع الوقت ...
وأنا أيضا ... أقطع الوقت ... تعال ...
وتردد قائلا: قد تكونين ... - أكون ماذا؟ ليس لدي عمل، بل لعلي لا أعرف ماذا أفعل بليلتي كلها ... تفضل يا أستاذ ... ربما وصلنا معا إلى فكرة ...
Bilinmeyen sayfa