فدفعته بيدها لكي تخرج فثبت في سبيلها، وقال: يستحيل عليك أن تخرجي. - ما شأنك يا خسيس؟ - إني مأمور بأن أمنعك عن الخروج يا سيدتي.
فتنهدت وقالت - بالإفرنسية لنفسها: «أكل هذا من أعمال عزيز، الويل لي» ثم عادت صاغرة إلى غرفتها الحقيرة واسترسلت في البكاء ولكن من يسمع بكاءها لكي يرثي لحالها؟ ولما صارت الشمس على قامتين أفاق عزيز وخليلته فاستدعى زينب إليه فلم تشأ أن تأتي فعادت الخادمة تقول لها: «يقول سعادة الباشا: يجب أن تأتي إليه وإلا فلا تنجين من نقمته.» فقالت لنفسها: «ويلي ما أشقاني لقد أصبح الخدم يتأمرون علي!» ثم وافت إلى الغرفة فوجدته جالسا على المقعد إلى جنب راحيل وهو يمنطقها بذراعه، فشرقت بدموعها وأوشكت أن تهوي إلى الأرض خائرة القوى فاستندت إلى كرسي، فقال لها: ائتينا بالقهوة حالا. - سامحتك على عملك أمس يا عزيز؛ لأنك كنت شاربا، أما الآن فأنت صاح، فلماذا تكيدني ؟ - سأجعلك أذل من كلب، هاتي قهوة لسيدتك وأشار إلى راحيل، فقالت له: رحماك يا سيدي رحماك. - عجلي بالقهوة وإلا نالك شر عظيم.
فخرجت زينب تنتحب، ولولا الحياء من الخدم لأعولت، ثم عادت إلى غرفتها الحقيرة تندب سوء حظها مرت بضع دقائق وزينب لم تعد بالقهوة فوافى إليها عزيز والسم يقطر من فيه، وقال لها: ما بالك لم تأتي بالقهوة؟ - مر خدمك أن يأتوك بها. - أنت خدمي وحشمي. - بل أنا زوجتك وأميرة عندك.
فناولها لطمة طبعت أصابعه على خدها النضير، وقال: امضي حالا وأعدي القهوة وهاتيها، وإلا جعلتك أضحوكة أمام الخدم. - ارحمني يا عزيز، بحياة أولادك. - لا جدوى من هذا الاسترحام، انهضي حالا، وإلا قضيت عليك في الحال، وهم أن يضربها فرفعت يديها ضارعة، وقالت: بعرضك إني عبدتك. - إذن انهضي في الحال وهاتي القهوة، وإذا لم تحضريها في خمس دقائق لا تعلمين ماذا يجري؟
وبعد بضع دقائق عادت زينب بالقهوة، فذاب قلبها غيرة لما شاهدته من مداعبة عزيز لراحيل، وما وضعت القهوة أمامها حتى سقطت على الأرض مغمى عليها، فعالجها حتى استفاقت، فقال لها: لا ينفعك هذا التظاهر شيئا، فاذهبي وائتينا بالفطور.
فنهضت زينب وهي لا تكاد تستطيع المشي لوهي عزمها، فقالت: رباه ارحمني، وامنحني صبرا لكي أحتمل هذا العذاب.
لا نود أن نتمادى في تفصيل معاملة عزيز لزينب من هذا القبيل؛ إشفاقا على عواطف القارئين من التأثر، وإنما نوجز بالقول أن عزيز بقي يمتهن زينب ويذلها على هذا النحو ويمنع خروجها من المنزل بضعة أيام حتى أخذ منها السقام وأصبحت كالخيال ولم تعد لها قوة.
ففي ذات مساء استدعت زوجها إلى غرفتها وتواقعت على قدميه، وجعلت تقبلهما وتغسلهما بدموعها وتقول له: عزيز، بربك ارحمني؛ كدت أموت غما. - لا أرحمك. - لماذا؟ - كذا. - أي ذنب جنيته يستحق هذا العقاب الشديد؟ - أنت تعرفين. - لا أذكر أني أخطأت إليك بشيء، أما أحببتك حب الزوجة الأمينة لزوجها؟ أما أطعتك بكل أمر؟ بماذا خالفتك أو عصيتك؟ متى قصرت بواجباتي نحوك؟ ذكرني، قل لي. عاملني بالرحمة، إني زوجتك، أعبدك، أكرس حياتي لحبك ... - لست أريد شيئا من ذلك. - ماذا تريد فأفعل؟ - أريد أن تكوني خادمة لراحيل. - ويلاه، ويلاه، كيف أطيق؟ لماذا تعاملني هذه المعاملة؟ - لأني لا أحبك. - ولكني زوجتك. - بل خادمة. - كلا، بل أنا شريفة وغنية عن الخدمة، بل أنا زوجتك رضيت أو لم ترض. - خسئت لا أريدك زوجة. - إذن طلقني. - لا أطلقك. - ويلاه، ما هذا الظلم؟ - احتمليه رغم أنفك. - هبني عبدتك فأعتقني. - لا أعتقك. - كيف أعمل لأخلص من هذا العذاب؟ ألا رحمة؟ - لا رحمة حتى تموتي كمدا. - بربك طلقني. - لا تطمعي بهذه الأمنية. - تفعل كل هذا لكي تبتز مالي. - لا أبتز مالك، ولكني أحتاج إلى قسم منه. - أليس كل ريعه تحت مطلق تصرفك، متى عارضتك في أمر إنفاقه؟ - لا يكفيني ريعه، أنت تعلمين أني أصبحت لا أملك شروى نقير، وكاد نفوذي يزول لخلو يدي من المال. - من أنفق مالك في البطالة والبورصة غيرك؟ - لا تؤنبيني، إني حر في كل ما أفعل. - أتريد أن تبدد ثروتي كما بددت ثروتك؟ لنا أولاد يا عزيز فيجب أن نورثهم ما يكفل لهم حسن المعيشة، يجب أن ننفق أموالا غزيرة على تعليمهم. - لا أبتغي مالك لكي أبدده. - إذن ما الفرق بين أن يكون لي أو لك ما دام ريعه لنا ولأولادنا. - إذا لم يكن هناك فرق فدعيه لي، سجليه باسمي. - ولكنه إذا بقي باسمي سلم لنا، ألا يحتمل أن تضارب في البورصة فتخسره دفعة واحدة. - ليس من شأنك أن تهتمي بذلك. - كيف لا أهتم، وهب أنك خسرته فماذا نفعل؟ - لا تجادليني كثيرا، إذا شئت أن تشتري راحتك وهناءك وخلاصك من العذاب فسجلي أملاكك باسمي.
فتنهدت زينب تنهيدا عميقا وقالت: لا أفعل ذلك.
فنهض عزيز من مجلسه، وقال: إذن تحملي إن استطعت.
Bilinmeyen sayfa