وكأنهم ولدوا على صهواتها
ثم يتعود الصائد ركوبها على اختلاف أنواع سيرهم ثم الصيد عليها وهكذا. وكذلك وضعوا التعاليم للقسي والنشاب والتروس وما إليها.
وكانت الوقائع بين المسلمين والروم في الثغور منشأ لظهور ضروب من الفروسية تستدعي الإعجاب، كما كانت الحروب الصليبية مصدرا كبيرا لذلك، ففي كتاب الاعتبار لأسامة بن منقذ، والروضتين لأبي شامة، وسيرة صلاح الدين لابن شداد، أمثلة كثيرة من الفروسية.
كما اشتهر في هذه العصور الإسماعيلية جاء في كتاب «آثار الأول» بعد أن ذكر قصة من فروسية بهرام: «ومثل هذا في المعنى رجال ببلاد الإسماعيلية ويسمون برجال الدعوة معدون لمثل هذا. فإن الرجل منهم أو الرجلين يغني عن حركات الجيوش الكثيرة، ويقال لهم في بلاد الإسماعيلية وفي بلاد الإفرنج «الحشيشية» وعند أهل الأقاليم «الفداوية» وهم قوم على دين الإسلام، وقد كان للملوك الإسلامية عناية بهم كبيرة.
وفي زمننا هذا عني بهم الملك الظاهر وسيرهم للأشغال الكبار، فضوها مع الفرنج، وفي قلاع الإسماعيلية في زمننا هذا ألف بهرام.»
ويظهر أن هذه الفتوة المدنية قد انقسمت إلى قسمين: فتوة عسكرية وفتوة كرمية، أو كما يسميها بعضهم فتوة جودية.
فأما الفتوة العسكرية فيظهر أنها ترعرعت في العصر العباسي الأخير لسببين: (1)
الحروب الصليبية وحاجتها إلى فرسان أبطال، يجدون في الحرب ضد الصليبيين، وقد أخرجت هذه الحروب عددا كبيرا أمثال نور الدين محمود بن زنكي وصلاح الدين وأسامة بن منقذ، وغيرهم. (2)
وجود بقايا الفاطميين من الفدائيين الملقبين بالإسماعيلية الذين كانوا يمرنون أبطالهم على قتل أعدائهم، أمثال الحسن بن الصباح وفتيانه. وربما كان عملهم هذا مبعثا لخصومهم على الفتوة العسكرية التي ذكرناها. وربما كانت أيضا هذه الفتوة العسكرية سببا في نظام الفروسية عند الإفرنج. وقد اشتهر بهذا النوع الخليفة العباسي الناصر لدين الله. فإنه نظم الفروسية والفتوة وقال فيه أحد المؤرخين: «إنه شيد بنيانها، ومهد أركانها، وألف أحزابها وأرشد طلابها، وأظهر أنوارها وأوضح برهانها، فبطلت النظم إلا ما شيده وبناه، وتعطلت المعاقل إلا ما اختاره واصطفاه، فهو شجرة الفتوة، وإمام الرحمة، فواصل وأوصل وأحسن وأجمل، وبه انتشر علم الفتوة بعد أن كان منتكسا، وميزهم على من سواهم بعد أن كانوا فرقا.»، وجاء في تاريخ ابن الفرات: «إن الناصر لدين الله كان يميل إلى رمي البندق، والطيور المناسيب، ولبس سراويل الفتوة. وكان سائر ملوك الأطراف يسابقونه في رمي البندق وفي الفتوة. فبطل الفتوة في البلاد جميعها إلا من لبس منه السراويل، ورمى له، فلبس سائر ملوك الآفاق سراويلات الفتوة له، ودعوا له في رمي البندق، ووصل رسول له على حماة في أيام المنصور الأيوبي صاحب حماة وأمره بأن يلبس للخليفة ويلبس الأكابر له.
وكان قاضي حماة في ذلك الزمن القاضي برهان الدين أبا اليسر، فأمره الملك المنصور بلبس سراويل الفتوة في المجلس، فلبسها، ولبسها جماعة له. وكذلك منع الدعوة بالبندق إلا له، والطيور المناسيب في جميع البلاد إلا له.
Bilinmeyen sayfa